أدهشني جداً هذا الرجل الذي جمعتني به الأيام عبر لحظة أو لحظات من عمرها. استأذنته بعد أن تجادلنا كثيراً في السعر وقلت له: (دقايق بس أجيب لي جريدة وأجي)، وعدت وأنا أجرجر أذيال الخيبة وأتمتم: (نفسي يا جماعة أمشي مكتبة واحدة وبدون تعب ألقى الجريدة دي)، فرد مبتسماً: (غايتو أنا عندي «الأهرام» دي.. هاك أقريها وتاني كل يوم حتشتريها)، أخذت من يده الجريدة ولا زال يقول: (والله أنا اليوم الما بجيبها فيهو للمرة والأولاد إلا أطلع أفتشها بالليل)، فتبسمت وغمرتني السعادة لأني وجدت ضالتي دون أدنى تعب. رجلٌ بشوش كأنه ذلكم العيد الذي مضى، فرِحٌ جداً كما لو أنه أراد أن يلوِّن هذا النهار شديد الحرارة بخفة روحه. تجاذبنا أطراف الحديث وكأنني لا أعرف شيئاً عن هذه الصحيفة سوى أني قارئة، وقد ساعدني على ذلك كونه لم يدقق النظر في وجهي، أدركت من ملاحظاته أنه ملمٌّ بأطراف الواقع الإعلامي، مثقفٌ جداً، حاولت استدراجه عبر رأيه في العديد من المواضيع فأسعدني حديثه حتى جعلني أقول له وأنا أغادر الأمجاد: (إنت عارف يا عم بكري؟.. الكلام دا لو جادلني فيهو بروف في الثقافة ما كنتا بمشي مقتنعة قدر دا).. فضحك وأومأ برأسه. شكراً (عم بكري) على هذه الآراء الجادة والحادة والمطمئنة معاً في كل موضوع أدخلناه مشرحة أو طاولة حوار. نافذة على الشارع :- بمنتهى الحيادية والإنصاف، ومن باب قوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) عبرنا خطوط طول وعرض ما كان لنا بها من سلطان، أين نحن من (طابور الرغيف)، وطابور (الطرمبة)، وطابور (السكر)، وطابور (المواد التموينية)؟ أين نحن من تلكم الشوارع التي لا تطؤها قدم بعد مغيب الشمس، وتلكم الشوارع التي لم تر الكهرباء إلا من أسلاك القمر التي غالباً ما تنتظر برهة فيصيبها وابلٌ من الحياء فتعاود الاختباء؟.. أين نحن من تلك الطرق التي كانت تستغرق أياماً وهي الآن لا تأكل من يد الزمن سوى بضع ساعات؟؟! من لا يشكر الناس لا يشكر الله.. فشكراً سيدي الرئيس.. ولكن.. (ويا قول عم بكري: إنتو البلد دي ماشة وين؟).. السنوات تنقضي تباعاً والأسعار تزداد ارتفاعاًَ.. لمَ كل هذا؟ وإلى أين يا ترى ستأخذنا الأسعار؟ وما معنى أن يتضاعف المرتب بعد تضاعف المصروف أربعة أضعاف؟! ولَّا بقت (من دقنو وأفتل لو)؟! (الله يكون في العون).. سألتني يما ويابا كيف.. قلت ليها زي حال الغلابى يحمدوا الله على العدم ويأكلو الصبر بدل الرغيف سألتني حالك إنتي كيف.. قلت ليها زي حالي الزمان.. ممكونة لا حد الحلق.. مربوط كلامي على اللسان.. متوهطة النار بالصبر.. تحرقني لامن أقيف دخان.. متوسدة الزمن الصعب.. في الخوف بفتش لي أمان..