{ ربما كانت الصدفة وحدها هى التي ساقت ضابط سلاح الطيران المغمور محمد حسني مبارك يومها إلى منصب نائب الرئيس، وذلك حسب شهادات المقربين والمراقبين وإفادات شهود عيان حقبة مبارك، على النمو الذي ورد في ذلك البرنامج الوثائقي المتقن الذي بثته قناة الجزيرة منذ يومين. { وتلاقت كل تلك الرؤى وتحالفت على أن الرئيس الراحل أنور السادات كان يبحث عن موظف مطيع يضطلع بمهام تفاصيل الدولة والحكم بينما يتفرغ هو لوضع الخطوط العريضة، فوجد ضالته في هذا الضابط المغمور. وربما كانت هذه الخطوط أيضاً كفيلة بإبعاد الشخصيات القومية من حول الرئيس. { ولما وقعت حادثة المنصة الشهيرة في مطلع الثمانينات التي قتل فيها الرئيس السادات، وجد حسني مبارك نفسه يخرج من تحت الطاولة التي اختبأ فيها إلى حكم أعظم دولة عربية وإسلامية. { كان مبارك وقتها يتمتع ببساطة وسذاجة قلّ أن تتوافر في أي رئيس حول العالم، بل كان يعترف أمام الذين يتحلقون من حوله أنه يجهل أبسط أبجديات الإدارة والدبلوماسية وتسيير شؤون الدولة. { ولما كان ضابط سلاح الطيران المغمور لا يستند على أي شرعية، فطفق يستدعي أدواره التي اضطلع بها في حرب أكتوبر كطيار مقاتل، بل ظل ينّشط ذاكرة المصريين والرأي العام حتى آخر يوم في حكمه بأنه هو ولا أحد سواه رجل أكتوبر بامتياز. { أيضاً حاول استثمار محاولة اغتياله في مطار أديس أبابا في صدر التسعينات ليعبر بها المسافة والشقة بين كرسي الرئاسة إلى دوائر الزعامة بعد أن تعلم الكثير في شؤون الإدارة والحكم، وهى المحاولة التي اتهم فيها السودان، بأن حكومة (الترابي البشير) وقتها هي التي قامت بتدبيرها. { لم يكن حسني مبارك يوماً يؤمن بالدور الريادي والأممي لجمهورية مصر العربية، فتقهقرت مصر العربية، مصر الزعامة، مصر جمال عبد الناصر، مصر الإمام حسن البنا، مصر الأدب والشعر والأزهر، تقهقرت إلى مصر (كامب ديفد) التي تغلق كل المعابر أمام قطاع غزة وتفتح كل الأبواب وسبل الحياة أمام دولة الكيان الصهيوني. { مصر مبارك هي التي تبتاع الغاز لإسرائيل بدراهم معدودة، وفي المقابل هي التي تمنع أمصال وأدوية إنقاذ الحياة أن تعبر إلى أطفال فلسطين، وذلك فضلاً عن أسلحة المقاومة. بل لقد أصبحت مصر وكيلاً للأمريكان في المنطقة والمنطق، فكل الأجندات كان تمرر للمنطقة عبر القاهرة. فلقد أصبحت شرم الشيخ كازينو وملهى كبيراً (للقوادة السياسية) فلقد بيع فيها شرف الأمة واستبيحت أعراضها! { لم تذهب مصر مبارك خطوة واحدة في طريق الإنتاج والاكتفاء الذاتي كخطوة للانعتاق من(القمح والمعونات الأمريكية) بل لما جعلت الحكومة السودانية كل حقولها وأراضيها الخصبة أمام الفلاحين المصريين، قال الرجل مبارك يومها قولته المشهورة تلك (واشنطن لن تسمح بذلك). { هكذا وضع مبارك (أم الدنيا) تحت الوصاية الأمريكية، وكان لا يقبل على شيء إلا بعد أخذ الإذن من واشنطن، لهذا فقد بكته واشنطن سراً وبكته تل أبيب جهراً، إنه كان رجلها الذي يهبها الأمن والحياة والغاز. { لقد اجتمعت كل الرؤى بأن حسني مبارك كان يمتلك من النكران لقضايا الأمة ولقضايا شعبه ومن الفساد، بل ومن الغباء ما جعل عرشه يتهاوى أمام جحافل الشعب المصري، ولقد ذهب غير مأسوف عليه إلى ذاكرة النسيان ومذبلة التاريخ... { فاعتبروا يا أولي الألباب...