{ كيلو اللحم الضأن ب (36) جنيهاً..!! ليس في (الإسكيمو).. ولا (جُزر القُمر).. وإنَّما في السودان.. بلد ال (125) مليون رأس من الماشية.. والمتناقضات الاقتصاديَّة..!! { الزيادة تقف وراءها ثلاث جهات: الأولى حكومة اتَّخذت التحرير سياسة (حتميَّة).. تحرِّرها من التزامات (دعم السلع).. وتملأ خزينتها بالضرائب و(أخواتها) من الجبايات..!! { والجهة الثانية وراء تصاعد السوق تتمثل في (التُجَّار).. الذين وجدوا الأسواق خالية من الرقابة فعاثوا فيها (طمعاً) وكل واحد يزيد (بي مزاجو)..!! فمثلاً في إحدى الجزارات بشارع المعونة.. قال لي الجزار إن سعر الكيلو من الضأن (36) جنيهاً.. وفي سوق المنطقة التي أسكن بها كان سعره في طرف السوق (32) جنيهاً.. لكنَّه الجزارات (الخلفيَّة) يصير ب (30) وقابل للتفاوض: (إنتَ داير كَمْ)..! { دعكم من اللحوم.. حتَّى المشروبات الغازية تُباع ب (مزاج التاجر).. ففي إحدى البقالات كان سعر ال (فينو) من الحجم الكبير (4) جنيهات.. وفي أخرى (5) .. وفي ثالثة (6) جنيهات.. أي والله.. وتبيع إحدى البقالات لبن (نيدو) ب (20) جنيهاً للعلبة وفي أخرى تجده ب (18).. والأمثلة كثيرة.. فماذا نسمي هذا؟! { كما أنَّ السوق عندنا لا يخضع لقوانين الاقتصاد.. إذ من المعروف أنَّ أيَّ سلعة عندما يزيد عليها الإقبال (الطلب) يقل سعرها.. إلاَّ في السودان.. يحدث العكس..!! { ومن المعروف كذلك أن كل سلعة إذا لحقتها زيادة طارئة (بزيادة الدولار مثلاً أو الندرة).. فإنَّها تعود إلى سعرها القديم بزوال المؤثر.. إلا عندنا..!! فأسعارنا طريق اتجاهها واحد..!! { أمَّا الجهة الثالثة التي تقف خلف الغلاء فهي القوى الشرائية (المواطنون).. نعم.. نحن مشاركون في الغلاء.. فالمواطن السوداني تجده (يطنطن) ويسخط.. لكن في النهاية (يدفع)..!! { إذن.. لدفع الغلاء لا نملك إلا أن نجابهه بواسطة الجهة الثالثة (المواطنين).. فالتجار لا سبيل إلى ردعهم إلا عن طريقنا نحن..!! { جمعيَّة حماية المستهلك أطلقت دعوة للمواطنين برفع شعار (الغالي متروك) ومقاطعة اللحوم وكلِّ سلعة ارتفعت جنونيَّاً.. وهنا يبدو أن الجمعيَّة - مثلنا - قنعت من الطرفين الآخرين في ارتفاع الأسعار (الحكومة والتجار)..!! ونحن بدورنا نطالب كل المواطنين بالتقليل - قدر الإمكان - من كل السلع ذات الزيادة المطردة إذا تعذَّر الامتناع عن شرائها نهائيَّاً.. ولا نقول الانتقال إلى سلع بديلة (كالدجاج بدلاً من اللحوم).. لأنَّنا في بلد المتناقضات الاقتصاديَّة.. فإذا ارتفع الطلب على سلعة بديلة سيزيد سعرها أيضاَ..!!! { اتركوا اللحوم - مثلاً - لثلاثة أيام فقط.. وليرجع بها الجزار إلى (ثلاجته) وقد (بارت).. صدقوني سيتنازل (كرهاً) عن أي زيادة (طمعيَّة).. وسيُضطرُّ إلى الرضوخ لرغبة المواطنين.. وينسحب الأمر على كل السلع.. وستلاحظون النتيجة.. أعلنوا (نفير المقاطعة) لأسبوع واحد.. والنتيجة مضمونة بإذن الله. { أمَّا الحكومة فكأنِّي أرى انهيار الثقة فيها ماثلاً أمام عينيَّ بسبب السوق الذي أهملته.. ومعاش المواطن الذي تأبى أن تهوِّنه عليه.. ويبدو أنَّها قد أمنت جانب المعارضة.. وآمنت بأنَّها لا تستطيع أن تقود الشارع ضدها..!! لكن فات عليها أنَّ ثباتها إنَّما أمره عند (الجوعى) من الفقراء الذين أحاط بهم العوز والدَيْن من كل جانب.. فإذا (قِنعوا) فلن تنفع الحكومة عندها خطبٌ رنانة.. ولا وعودٌ برَّاقة.. ولا تلومنَّ حينها إلا إهمالها..!! { ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.. وحسبي الله ونعم الوكيل.