{ ليس من أدنى شك فى أن المرحلة التاريخية التى يمر بها السودان الآن تمثل واحدة من أصعب المنعطفات في تاريخه، بل وتاريخ المحيط العربي والأفريقي من حوله، إذ يحاول أعداؤه الالتفاف والانقضاض عليه حتى يجهزوا على ما يبشر به من مستقبل اقتصادي وسياسي حال استقراره وتماسك جبهته الداخلية، لذلك فليس غريباً ولا مستغرباً كل ما يجري في الساحة من محاولات لفتح جبهات متعددة للحروب، حتى تُنهك قواته المسلحة وتثقل كاهل اقتصاده وتمسك بتلابيبه وتمنعه السير قدماً تجاه النهوض والاعتماد على مقدراته الذاتية، وليس أدل على ذلك مما يجري الآن من حرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق يخوضها بعض أبناء السودان بالوكالة عن جهات أجنبية تستخدمهم كمخلب قط يدمي وجه بلادهم..!! وإلا فما معنى أن يخوض والي ولاية الحرب داخل ولايته ويزعزع أمن مواطنيه ويوقف عجلة التنمية التي تنتظم الولاية في مجال الطرق والتعليم والصحة متعللاً باستفزاز المركز وظلمه للولاية وهضم حقوقهم التي يعتزم الوالي المقال أخذها بقوة السلاح، وحق القوة وليس قوة الحق..!! ويبشر عبر خطاباته المستمرة باستعداده للحرب مدة ثلاثين عاماً، فيجعل مواطني الولاية في حالة ترقب وقلق مستمر، لتأتي لحظة اندلاع الحرب وكأن جماهير الولاية تردد المثل القائل: (كتلوك ولا جوك جوك)..!! { الحرب التي تنذر بكساد الموسم الزراعي ونزوح الثروة الحيوانية عمود الحياة وأساس الاقتصاد في الولاية إضافة لوقف شركات التعدين في الكروم وقطع رزق أهله من قبائل الأنقسنا العاملين بالشركات التي انقطع دعمها ومساهمتها في الخدمات بالقرى، هذا بالإضافة إلى توقف العمل في طريق يعد من أهم الطرق في الولاية إن لم يكن في السودان عامة لما يمثله من رابط اقتصادي وثقافي واجتماعي بين جنوب السودان الجديد وبقية أطرافه الآخرى، فأي حقوق وأي مكاسب حققها عقار لأهله وولايته المظلومة في هذه الحرب اللعينة التي أهلكت الحرث والنسل، حتى لو أراد أن يتفاوض على حقوق ولايته من موقف قوة، فأي شيء حققه أو سوف يحققه على جيش يملك العدة والعتاد ويناصره ملايين من أبناء السودان ومثقل بالتجارب والخبرات في الحروب؟ { كيف قرأ عقار الموقف وكيف قيمه أم لم يرَ بأم عينيه ما حل برفيقه عبد العزيز الحلو وجيشه، ولكن كما يقول المثل: (المكتولة ما يتسمع الصيحة)، وعقار سيد العارفين كيف فات عليه كل ذلك دون قراءة وتأمل في أبسط إفرازات الحرب: تجمد العام الدراسي بمنطقة جبال الأنقسنا من (أبوقرن) حتى جنوب الولاية في حدودها مع إثيوبيا ودولة الجنوب، أم أن ضياع عام من المعرفة والعلم لأهله لا يساوي شيئاً نظير ما سيحققه عقار من مكاسب؟ أليس من باب أولى أن يقوم عقار بترغيب أبناء قبيلته في التعليم الذي يعزفون عنه وتعمل المنظمات الإنسانية على ترغيبهم فيه بتقديم الوجبات وتوفير المعينات وبناء المدارس وتحسين بيئتها؟! { كم من الوقت يحتاجه هؤلاء الأطفال اللذين أفزع من بقي منهم صوت السلاح للعودة إلى حجرات الدراسة؟ والسؤال الموجه لقادة الحركة الشعبية قطاع الشمال وقيادتها العسكرية والسياسية: هل قيّمتم نتائج حربكم في جنوب كردفان؟ وما هي نتائجها المحفزة بالدخول في حرب جديدة في النيل الأزرق؟ أم يظنون ويوعدون بأن تعدد جبهات القتال سيرهق الجيش السوداني ويهزمه بالتآزر مع المعارضة - ما يسمي بقوى الإجماع الوطني - التي لم تجمع يوماً على أمر يكسبها احترام منسوبيها ويرفع عنها الحرج كما حدث في غياب قادتها عن ندوة دار الأمة في يوم (الأحد) 11 سبتمبر الجاري..!! فالمعارضة - ممثلة في قوى الإجماع الوطني - التي تعجز عن قراءة نبض الشارع ومعرفة اتجاهات الرأي العام والاستجابة لتطلعات جماهيرها، هي أعجز عن مؤازرة أي قوى أخرى تحمل السلاح لتقدم ما يرجح كفتها ضد الحكومة، والمعارضة التي أعمى الله بصرها وسد بصيرتها عن تسجيل موقف وطني واحد يشفع لها أمام منسوبيها ويكسبها احترامهم واحترام خصمها (المؤتمر الوطني) أو الحكومة، هذه المعارضة لم تغادر بعد مربعها الأول من الضبابية في الرؤى وعدم حسم مواقفها تجاه القضايا ذات الإلحاح والأهمية على مستوى الوطن، هي فقط تجيد إهدار الفرص والسوانح التي تجود بها الظروف ويخلقها الحراك المستمر في دنيا السياسة دون أن يكون لها دور في خلقها، وتعجز عن فرض رؤاها وخلق التفاف واستقطاب تجاه ما تنادي به، ما جعلها موضع ازدراء رجل الشارع العادي بعد أن فقد الثقة فيها وأصبح لا يرى فيها بديلاً مناسباً للحكومة الحالية، مهما كانت درجة السوء فيها..!! { متى تصحو قوى المعارضة بأحزابها وكياناتها وحركاتها من غفوتها وتعود إلى رشدها وتجعل الوطن والحفاظ عليه هدفها بعيداً عن أساليب المؤامرات وزعزعة الاستقرار والتخلي عن أجندتها التي تشتمُّ منها رائحة التدخل الأجنبي ومطامعه في السودان الذي يأبى بعض أبنائه العاقين إلا أن يكونوا حائط صد بينه وبين التقدم والاستقرار؟! { يا أبناء السودان تعالوا إلى كلمة سواء، وسجلوا أسماءكم في دفتر الحضور الوطني، فليس من وقت أدعى وانسب مما يشهده السودان الآن في خضم ما يشهده من أحداث هي أدعى للعودة إلى حضنه وصون ترابه وكبريائه بإدانة ما يحدث من حروب وخروج على الشرعية وزعزعة الأمن، وإما أن تجد هذه الكيانات نفسها مدانة بغيابها عن الاستجابه لنداء الوطن. محمد عبد الله الشيخ الدمازين