من الخطأ الظن أن اتفاقية «نيفاشا» التي وُقّعت في كينيا بين حركة التمرد بقيادة «جون قرنق» والحكومة السودانية، ستأتي بسلام دائم وشامل لشعب أرهقته حركات التمرد، بسفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل طوال ما يزيد على نصف قرن، فلم يكن تفجر الأوضاع في ولاية النيل الأزرق واندلاع الحرب مفاجأة، لأنه نفس السيناريو للحركة الشعبية الذي أشعلت به الحرب بولاية جنوب كردفان في محاولة انقلابية لتغيير الأوضاع في البلاد. ولاية النيل الأزرق ولاية حدودية متاخمة لدولتي جنوب السودان ودولة الحبشة، وتقدر مساحتها ب50 ألف كم2، وتتكون من 6 محافظات، هي: «الدمازين، الروصيرص، الكرمك، قيسان، باوة، التضامن»، وتسكنها عدة قبائل، هي: «الفونج، الهمج، البرتي، الوطاويط، الأنقسنا، الهوسا، الفلاتة». سكان المنطقة كلهم مسلمون، وقد فاز مرشح الجبهة الإسلامية القومية في انتخابات الديمقراطية الثالثة عام 1986م فوزاًً كاسحاً؛ مما يدل على قوة الاتجاه الإسلامي في الولاية، وتعتبر قبيلة «الفونج» أقدم القبائل الساكنة بها.. تقول إحدى الروايات: إنهم من سلالة بني أمية، فروا إلى السودان هرباً من العباسيين الذين كانوا يطاردونهم، وأسسوا مملكة «سنار» الإسلامية، واختلطوا بالسكان الأصليين من السود وتزوجوا منهم، فغيّر ذلك من لونهم، ولكنه لم يضع أصلهم. أما الوالي المتمرد «مالك عقار»، فهو من أسرة «ختمية»، كان والده خليفة خلفاء الطريقة «الميرغنية» التي أسسها السيد محمد عثمان الميرغني الكبير في السودان، وهي طريقة صوفية في الأصل، ولكنها في العصر الحديث سعت إلى السلطة، وأصبح لها حزب سياسي ينافس به طائفة الأنصار التي يقودها المهدي، وعرف عن عقار أنه ليس له ارتباطات بدين أو عقيدة معينة، ولم يمارس شعائر دينية محددة، ويقال: إنه ردد ذات مرة أمام وفد ختمي جاء إلى المنطقة لاستقطابه أن ربه الذي يعبده هو ذلك الجبل، وأشار إلى جبل ضخم في منطقته، وأنشأ حزباً سماه «تنظيم جنوب الفونج»، وكان ذلك عام 1975م، وأصبح بذلك من غلاة العنصريين الذين يكرهون العروبة والإسلام. وعندما قاد «جون قرنق» حركة التمرد لتحرير السودان من العرب والمسلمين، انضم «عقار» بكامل تنظيم جنوب «الفونج» إلى حركة «قرنق» عام 1984م، ومنذ ذلك التاريخ وبمساعدة ودعم من «قرنق» أصبح عقار قائداً لقوات الحركة المتمردة التي تقاتل على الحدود بين السودان وإثيوبيا، حتى صار واحداً من أكبر قادة التمرد الذين اعتنى بهم «قرنق»، الذي فرح بانضمام بعض أبناء المسلمين إلى تمرده على أساس عنصري، مثل «عقار» و«الحلو» و«عرمان».. وغيرهم من ذوي الجذور الإسلامية، ومثل هؤلاء هم صيد ثمين للصليبية العالمية المتحالفة عضوياً مع الصهيونية العالمية لضرب الإسلام بأبنائه. حسابات سياسية «مالك عقار» فاز في انتخابات أبريل 2010م بحسابات سياسية خاطئة من المؤتمر الوطني الذي رضخ لتهديداته، فقد دخل الانتخابات بشعار «النجمة أو الهجمة»، فأصبح والياً غير مؤهل ديمقراطياً، وفشل في تقديم أي خدمات للولاية؛ مما جعل الولاية خارج إطار التنمية عكس ما كان يفعله الوالي السابق «عبدالرحمن بو مدين». ومنذ توليه ظل «عقار» يردد في كل لقاءاته الجماهيرية بأنهم محكومون من الأجانب بولاية الخرطوم، وأن أصحاب الولاية هم أصحاب البلد الحقيقيون، وعندما ودّع الجنوبيين بالمنطقة بعد الانفصال كان متأثراً قائلاً لهم: إنهم أهل المنطقة، ومن أقواله التي مهدت للحرب ما صرح به لمجلة «الزرقاء» التي تصدر في النيل الأزرق: «لن أفرط في الجيش الشعبي؛ لأن قوامه من أبناء النيل الأزرق وهو رمز هويتنا».. ويلاحظ دائماً أنه يستعمل سلاح الهوية لإجاشة عواطف السذج من أتباعه؛ لتعبئتهم لصراع سياسي طويل. ومن تصريحاته المستفزة للسودانيين أنه قال في تنوير لأتباعه: «السودان القادم هذا إن لم نكن نحن فيه فلن يكون هنالك سودان».. وهو نفس ما صرح به في احتفال حاشد لحركته قبل عامين، حيث قال: «إذا انفصل الجنوب سننفصل، ونضم النيل الأزرق لإثيوبيا، والشرق لإرتريا، ودارفور لتشاد، وإذا لم تلبَّ مطالبنا، فإن ما تبقى من الشمال سنفككه».. هذه الاتجاهات للوالي المتمرد المخلوع تؤكد أن زعماء الحركة الشعبية قطاع الشمال يتحركون بأوامر من الخارج لزعزعة الأمن والاستقرار في السودان وإسقاط النظام. أجندات خاصة ومما يدعو للأسف والأسى أن الأحزاب المعارضة بدلاً من أن تقف صفاً واحداً مع القوات المسلحة لدحر العدو ووأد الفتنة، حاولت استغلال الأحداث لأجندتها الخاصة في تغيير النظام خدمة للأجندة الخارجية غير الخافية على أحد أبداً، وهي أجندة الصهيونية العالمية والصليبية العالمية لتقسيم البلاد إلى كيانات، فقد كان الأجدر بزعماء الأحزاب الوطنية كحزب الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي أن يقفوا خلف الجنود الذين يقاتلون من أجل الحفاظ على وحدة السودان وتناسي الخلافات، والجلوس لإدارة حوار بنّاء لتوحيد الجهود لمواجهة الأخطار.. أما الحزب الشيوعي فهو فرع للحركة الشعبية يستغلها لتحقيق أهدافه اللادينية، وإقامة نظام علماني لا ديني للمنهج الغربي ورفضاً لكل ما هو إسلامي. انشقاقات القوات المسلحة فندت ادعاءات «عقار» المعزول بأنه يسيطر على 80% من الولاية، وأكدت أنها هي التي تسيطر على 80% من الولاية، وأكدت أن الوالي المعزول يحتمي في مدينة الكرمك، وأن القوات المسلحة تتقدم لتطهير المدينة من فلول جيشه المنهزم الواقع أن «مالك عقار»، و«عبدالعزيز الحلو»، و«ياسر عرمان» يواجهون موقفاً صعباً، بعد أن أعلنت القيادة الجماعية للحركة الشعبية برئاسة «دانيال كودي» عن نفسها كقيادة للحركة بقطاع الشمال بشقيها السياسي والعسكري، وأكدت هذه القيادة رفضها للحرب وتمسكها بخيار السلام، وأعلنت عن تجميد كافة الصلاحيات السياسية والعسكرية، وإبعاد الكوادر التي جاءت بالتعيين الخاص والفردي عسكرياً وسياسياً من مناصبهم القيادية، والذين عُينوا بقرار من «سلفاكير» رئيس دولة الجنوب.