(حديث الثورة) برنامج مستحدث بقناة الجزيرة القطرية، وهو واحد من البرامج التي أنتجتها شهور الإرهاق المتواصل لطاقم الجزيرة وهو يواكب (ربيع الثورات العربية)، ومن النجوم العرب الذين أظهرهم هذا البرنامج وبدا كما لو أنه مصمم على حجمه، الدكتور عزمي بشارة الذي تمركزت حول رؤاه وفرضياته التي يطلقها واحدة تلو الأخرى، متنقلا بين الحالة المصرية وقبلها التونسية نحو اليمن وليبيا وأخيرا سوريا، لتكون وجهة النظر الشخصية له أو لغيره من بوابة (التفكير الحر) هي الأدلجة غير المباشرة والتلقين والأستاذية الإذعانية من حيث يدري المرء أو لا يدري. لا يؤخذ على عزمي بشارة شيء، حرية الإعلام المدعومة ببترودولار النفط والأضواء الباهرة، كفيلة بأن تعطي المصداقية لأي (ادعاء علموي/ علماني) ناقل واجتهادي فردي بافتراض غياب الصوت الآخر، ثمة إدراك عميق بأن إسقاط المحلل أو المفكر لإحباطاته وتجاربه الشخصية في الماضي على الراهن في الواقع الاجتماعي يقدح في الكثير من (وجهات النظر البريئة هذه)، أن تقف (السياسة التحريرية للقناة) بالضد من نظام الحكم الذي خرجت المظاهرات في شوارعه وتتبنى كل شيء يتعلق به، هذا ما يفسره عزمي بشارة (بحرية التعبير) بعد أن تتمكن آلة الإعلام المذكورة من إثبات تورط هذا النظام في قمع شعبه بشراسة، وفي مرحلة محددة من مراحل هذه الثورات (يبدأ التصعيد بين القناة والنظام) مثلما حدث في مصر وليبيا واليمن وسوريا بأن تغلق مكاتبها، وحينها تبدو الأمور شخصية تماما، ويستخدم أي من أطراف هذا الصراع عضلاته، قناة الجزيرة في مواجهة الأنظمة، وحديث الثورات يأتي بعزمي بشارة في (الأمسيات الدامية) ليقدم صلوات الروح المتطلعة للمزيد من التغير والتفسخ والانحلال والتجرد.. لماذا؟ كان الطبيعي أن الانقلابات العسكرية في العالم الثالث هي التي تحدث التغيير على الأرض، لكن اللافت للنظر في الأمر أن ثورات الربيع العربي التي ينظر لها عزمي بشارة من خلال قناة الجزيرة تبدأ إعلامية، وطريقته في تحليل (الشعارات: ارحل، الشعب يريد إسقاط النظام وأيام جمعة الغضب والرحيل وغيرها) وكذلك حرصه الأبوي ومخاوفه الظاهرة في كلماته المشفقة (يجب أن يكون لأي ثورة قيادة محددة ومعروفة) والتحذيرات الثورية الواعية (لا تقدموا شهود العيان كمصادر كلية، فقط هم يعبرون عما شاهدوه في مناطقهم)، ويتواجه الجميع بالمشكل في سوريا، العلاقة المعقدة ما بين النظام السوري والواقع السياسي الملغم في لبنان، المحكمة الجنائية ومقتل الحريري والاتهامات التي تطول حزب الله، كيف يستقيم ذلك؟ تصفية المقاومة اللبنانية في الجنوب، التي هي رغبة إسرائيل، هل كان بشار ابن حافظ الأسد بعيدا عن كل هذه التعقيدات، أم أن كل الأمر يتلخص في أن (الشعب يريد إسقاط النظام؟). ذهبت بعيدا تلك السنين التي يفترض فيها القائمون على الإعلام السياسي أن مشاهديهم أو قراءهم ملزمون بالتصديق، أو القبول. حديث الثورة الذي يمثل الاتجاه الأحادي الفردي لصاحبه، يفتقر في أحيان كثيرة إلى المهنية الإعلامية، كيف يكون فرد واحد قادرا على تمثيل كل النخب السياسية العربية من المحيط إلى الخليج بهذه العفوية؟.. لماذا لم تتعدد المصادر وتختلف وجهات النظر؟.. أم أن الآخرين بكل البلدان العربية بمن فيهم أساتذة الجامعات من حملة الدكتوراه هم تابعون ولا مصداقية في الأفق، ويبدو أن الرهان كبير وباهظ في هذه المرحلة المفصلية من تاريخنا العربي، حيث أن (مركزية القضية الفلسطينية) التي ينطلق منها عزمي بشارة وإن كانت تحظى بالتقدير والتبجيل من وازع الدين والأخلاق، لكنها ومن المنظور الفلسطيني لا تعني سوى (العودة إلى رام الله) وسكب كل هذا التدفق الثوري المعتق في شرايين منظمة التحرير الفلسطينية التي تحتاج الآن إلى كل هذه الخبرات الكبيرة التي يتطوع ويرسلها للجميع الدكتور عزمي بشارة، هل سيتحقق الهدف القومي الفلسطيني في الحصول على الاعتراف بدولتهم المستقلة في حدود 1967م؟ لا ثورة أعلى قامة من ثورة الشعب الفلسطيني في غزة، لأنها تعني (مواجهة العزل مفتوحي الصدر للرصاص الإسرائيلي ومكر العالم من حولهم) وتنكر أبناء جلدتهم له، لماذا لا يكون حديث الثورة هو (حديث الثورة المقدسة في غزة؟). وبمثلما لا نحب أن يحدد لنا الآخرون لون الأقمشة التي نرتديها، لا نحب أن نتدخل في شؤون الآخرين، كما نمقت أشد المقت الأستاذية التي يحاول البعض إضفاءها كمسحة على تحليلاتهم ورؤاهم السياسية، إدارة الحكم وشؤون الناس ليست لعبة إعلامية بسيطة ببساطة المجيء من أحد قصور الإمارة المترفة إلى أستديوهات القناة مساء لإلقاء هذه المحاضرات رفيعة المستوى، ونقول إن (ورق النظرية يابس)، وإن الاختلاف بين أي بلد وآخر أو أي شعب وآخر يقضي بأن تختلف (زاوية الرؤية الإعلامية والسياسية لها) وكذلك ضرورة أن يختلف تبعا لذلك من يقدمها، وتبقى أن نقول: اذهب إلى رام الله يا عزمي بشارة فمكانك شاغر في السلطة الفلسطينية فأنت مفكر كبير حتى لا تهدر طاقاتك التأملية الهائلة قبل أن تخرج (قضية فلسطين) من مربع (الخلاف بين فتح وحماس)، كل العالم ينظر بناحية غزة الآن ولا ثورة في الأفق تلوح تفوقها أهمية، اذهب. محمد حسن رابح المجمر