رغم ظروف الحرب…. بدر للطيران تضم طائرة جديدة لأسطولها    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    إسرائيل تستهدف القدرات العسكرية لإيران بدقة شديدة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزمي بشارة أنتليجنسيا للإيجار: كيف تكون مع فلسطين وأنت ضد المقاومة؟ بقلم: قاسم عز الدين* تعليق: شوقي إبراهيم

نقدم للقراء السودانيين صحيفة الأخبار اللبنانية، وهي صحيفة يسارية، ويتميز كتابها وصحفيوها بالموضوعية والوعي والاستنارة، ولعلني بهذا التقديم أؤسس لحالة تلاقح وتمرين فكري نقيس عليه حال يسارنا السوداني. ولقد تملكتني الغيرة الشديدة، إذ بالمقارنة بالحالة اللبنانية لا يكون اليساريون السودانيون سوى ظاهرة ضعيفة فكريا لم تتجاوز أدبياتهم ورؤاهم أدبيات ورؤى الجبهة الديمقراطية، وفي ذهني محاورة صحيفة الميدان مع المحامي فاروق أبوعيسى، وقد وصفه الصحفي صانع الحوار بالمناضل الوطني الخ، ولم ينجز أبوعيسى سوى كلاما لا يرقى وحتى إلى كلام مبتدئ في تنظيم الجبهة الديمقراطية. الرجل فشل في تشخيص الحالة السودانية والإقليمية، بل سقط قبل سقوط عزمي بشارة بسنوات وأسوأ من عزمي بشارة. ففضلا عن المأثورة لا يبحث عن الحب سوى النساء، ومع ذلك، كيف نفهم كلام أبي عيسى الغزلي قوله: (وأنا أقول هذا الكلام بحب لدول الخليج!!).. وقد حذرهم من الأخوان المسلمين، بينما ظاهرة الأخوان المسلمين هي ظاهرة خليجية؟ لماذا كل هذا الحب والغزل في دول الخليج؟
قال: (وهناك قضية أخرى، نظام المؤتمر الوطني أصبح يعقد تحالفات فوق طاقة البلاد، فليس لدينا أي مصلحة في التحالف مع إيران، وهو ما سيفقدنا حلفاء آخرين، وقد سبق لنا كقوى معارضة أن حذرنا دول الخليج من حركات الإسلام السياسي لأنها لا أخلاق أو قيم لهم، ودول الخليج لم تتعظ من موقف الإنقاذ إبان الغزو العراقي للكويت حيث ساندت الغزاة، كما وقفت جميع قوى الإسلام السياسي مع ذلك العدوان، وعادوا مرة أخرى وتصالحوا مع الإنقاذ، وحاليا تقوم قطر بتحركات مع هذا النظام لكنها لن تسلم من التدخلات التي ستقوم بها الحركات الإسلامية في شأنها الداخلي، وأنا أقول هذا الكلام بحب لدول الخليج).
ونقول لابن ولاية الجزيرة الرجل القانوني أي تحالف مع إيران الذي تتحدث عنه؟ وهل يتحالف المؤتمر الوطني أو الشعبي مع إيران؟ أليست هذه سذاجة ومراهقة سياسية؟ هل ينكر أبو عيسى أن لعمر البشير والشيخ حسن الترابي سريرين دائمين في قصور الدوحة والرياض؟ وباستلاف عنوان الباحث قاسم عز الدين أعلاه نقول لأبي عيسى: كيف يدعي رجل النضال ويتبرأ من إيران، وسوريا وحزب الله؟ تناضل من أجل ماذا يا فاروق أبو عيسى؟ لا يكفي أن تناضل من أجل "الديمقراطية" دون أن تسمي الأشياء بأسمائها وبمسمياتها، قطعا لن تستطيع وإلا خسرت أحباءك من دول الخليج.
ولا يستغرب أحدكم أن يظل المناضل الوطني فاروق أبو عيسى في مرحلة الطفولة اليسارية بعد هذا العمر المديد، ولم يتجاوز فكره وأطروحاته السياسية مفهومات الجبهة الديمقراطية قط، غير ذلك فهو في غنى عن الأفكار التي تجلب الفقر وتسبب المشاكل. فالنضال من أجل "الديمقراطية" و"الليبرالية" ولو ظاهرا أفضل للصحة وأتم للسلامة، لكونها لغة مشتركة مع "ديمقراطية" و"ليبرالية" الولايات المتحدة الأمريكية!! فالصلاة خلف الولايات المتحدة أتم، والجلوس على مائدة الولايات المتحدة المفروشة بالدولارات قطعا أدسم، وتجنب التحالف مع دول المقاومة مثل إيران وسوريا وحزب الله أسلم – كما قال شيخ المضيرة!! ومن ينسى لليساريين السودانيين وأعضاء "التجمع الديمقراطي" قبضهم عشرة ملايين دولارا دسمة سنويا من الكونجرس في القاهرة باسم النضال من أجل الديمقراطية؟؟
ولندخل الآن لمقالة الباحث قاسم عز الدين في عزمي بشارة وجدليته مع حزب الله، وقد كنى عزمي بشارة حزب الله بالحرف (ص)، بينما كنا نفسه بالحرف (س)، وهي بالعنوان أعلاه:
كان الفلاحون في فرنسا في القرن التاسع عشر يتندّرون على فلاح ركبت في رأسه لعبة الشطارة، فذهب يبيع زبده في السوق لكنه طمع بأن يكسب المال دون أن يتخلّى عن الزبد، وذهب مَثَل «الزبدُ ومالُ الزبدِ»، في فرنسا، مذهباً للدلالة على أنّ الفهيم لا يطمع بأن يربح شيئاً دون أن يتخلى عن شيء يخسره في المقابل.
عزمي بشارة لم «يهضم» طوال سنتين قطيعة «حزب الله» معه، طمعاً بأن ينال المجد من طرفي المقاومة وقطر في آن واحد. «فعسر الهضم» هذا، دليل على بذرة طيّبة بقيت من بقايا عزمي بشارة «المناضل» قبل أن تنخرها سوسة عزمي بشارة «المفكّر». فهو لم يسلك طريق صغار المهتدين إلى «مناهضة الاستبداد» النيوليبرالية، الذين ينشطون في إزالة الحواجز أمام نشر الحرية الأميركية، إنما سلك طريق المقدمات نفسها في «مناهضة الاستبداد»، متوهماً أن تؤدي المقدمات نفسها إلى نتائج مغايرة. فتناقضه الداخلي الذي تسعّره بذرة من بقايا عزمي المناضل، يدفعه بالضرورة شيئاً فشيئاً إلى قتل البذرة بكل ما أوتي من عزم «فكري» على قول «أنا ابن جلا وطلاع الثنايا»، وتراه مضطراً في آخر المطاف إلى اختراع مبرر للتصالح مع نفسه في انسجام المقدمات والنتائج.
الادعاء بأنّ المقاومة خوّنته ((حوار(س) و (ص)، «صحيفة الأخبار»، 6 11 2012م – ملحوظة من المعلق: أدخل على حوار (س) و (ص) لعزمي بشارة هنا وتعتبر هذه المقالة ردا على هذا الحوار: http://al-akhbar.com/node/171286))، هو أولى درجات سلّم الهبوط للوصول إلى ما سبقه إليه صغار المهتدين بالحرية الأميركية، بل أبعد منهم. فهؤلاء يقولون إنّ المقاومة تخوّنهم بتلاقي مصالحهم مع المصالح الأميركية، لذا يدّعون أنّها تخوينية طائفية وإيرانية لا تهتم بتلاقي المصالح الوطنية، لكن عزمي لا يستطيع أن يقول صراحة بتلاقي المصالح مع أميركا وهو على ما يقول «مقاوم ولم يتخلّ عن مقاومة العدوان، ولا يزال مناهضاً للسياسة الأميركية في المنطقة»، فيضطر إلى أن يمسك الجرّة من أذنها.
يقول إنّ المقاومة (المقاومة المقصودة في هذه المقالة تعني: حزب الله) قطعت الصلة معه، فهي إذن تخوّنه. وبما أنّها تخوّن المناضلين وتتقرّب من «جماعتها» فهي إذن خائنة لفلسطين، بل «يكتشف أنها كانت دائماً تخون فلسطين». إنما قالت المقاومة في عزمي ما يقوله بقية خلق الله بأنّه انتقل من ضفة إلى ضفة أخرى، وانتهى الأمر عند هذا الحد. وبين من يقول بهذا القول ثوار في البلدان العربية لا يتفقون مع حزب الله في مقاربة المأساة السورية، بل بينهم كثير في الضفة التي انتقل إليها عزمي، وهل يخفى القمر؟
فالمقاومة تتقبل النقد الصارخ على مضض، لكنّها لا تقطع الصلة مع الذين يختلفون معها في الضفة الواحدة أو بين الضفتين. وهذا أمر بيّن، عبثاً يحاول عزمي المكابرة فوقه تحليقاً في الهواء على قول «متى أضع العمامة تعرفونني». فالقاصي والداني يعرفان، أو يستنتجان، أنّ قطر لا ترعى «مفكراً» طمعاً في «علمه» الفريد. وقد كان عزمي نفسه يكدّ ويشقى من أجل نشر بحث، كبقية الباحثين المناضلين الذين يفكّرون على غير هوى القصور (راجع خيري منصور، انتليجنسيا للإيجار، القدس العربي، 2 11 2012). وما زال كثير من الباحثين المرموقين يعانون الأمرّين في كسب قوت كريم عقاباً لخيارهم الحر في الضفة المناوئة للحرية الأميركية. لكن عزمي في إصراره على أنّ المقاومة تخوّنه، وعلى أنّه فوق المعسكرات، يحاول أن يبرع أكثر من الفلاح الفرنسي الشاطر، فقد اكتشف أنّه يستطيع بيع الزبد ويكسب ثمنه أكثر من مرّة، بل إلى ما لا نهاية طالما ظل يحتفظ بالزبد. يقول: «ص (حزب الله) يواصل الهجوم لمعرفته بأخلاقيات س (عزمي) الذي يسير في طريقه ولن يستدير لرد الهجوم، ولن يقبل أن يهبط بنفسه إلى درجة مهاجمة أحد شخصياً، ولمعرفته (حزب الله) أنّه (عزمي) لن يهاجم المقاومة لأنّه (عزمي) صاحب مواقف ضد إسرائيل. ولأنّه (عزمي) يقدّر من يقاومها، ولا يساوم بين من يقاوم إسرائيل ومن يصنع السلام معها على حساب فلسطين». لا بأس في هذا القول إذا كان الحزب مشغولاً بأمور عزمي بشارة «الشخصية» وغير الشخصية، وإذا كان عزمي لا يساوي فعلاً بين هذا وذاك «في صنع السلام مع إسرائيل على حساب فلسطين». إنما لا، يقول عزمي ما يقول في نفسه وفي المقاومة، محطة انطلاق ليحطّ حيث سبقه صقور المهتدين بالحرية الأميركية وغلاتهم دون لف ودوران.
يقول عزمي بعد تمهيد طويل لبق البحصة «هذا يعني أنّ فلسطين ليست مهمة «لهؤلاء» (حزب الله وجماعته) وأنّ النظام الحاكم والمصالح الفئوية هي الأساس. يعتقد (س) (عزمي) أنّ هذا موقف خياني لفلسطين وللوطنيين الفلسطينيين لمصلحة نظام فاشي، ليس فيه جانب متنوّر واحد». انطلق عزمي من أنّه «لن يستدير لرد الهجوم ولن يقبل أن يهبط بنفسه….إلخ»، فإذا به يخوّن المقاومة في قوله جهاراً «هذا موقف خياني لفلسطين وللوطنيين الفلسطينيين». ولو أراد أن يستدير لرد الهجوم وأن يهبط بنفسه، ماذا كان سيفعل يا ترى؟ تحريك الأساطيل والطائرات مثلاً؟ ربما تداعب الصورة مخياله. كيف لا وقد استفاق من كبوته الجريحة فيقول: «فجأة يرى س (عزمي) الأشياء على نحو مختلف. وتتضح له أمور كانت مشوّشة. فقد كان يعيش في حالة إنكار. هؤلاء (حزب الله وجماعته) يخونون فلسطين مثلما يخونون مبادئ العدل والإنصاف، لا لأنّهم كانوا معها، بل لأنّهم كانوا دائماً مع غايات أخرى». ولا يحدّث بحديث «الخيانة الأصلية» موتور عصابي معروف، إنما يحدّث به «مفكّر عربي»! ولا عجب في ذلك فالمقدمات نفسها تؤدي إلى النتائج عينها. ومقدمات الحرية الأميركية في «مناهضة الاستبداد»، تؤدي في نهاية المطاف لا إلى تخوين المقاومة والمطالبة بنزع سلاحها وحسب، بل تؤدي إلى الاستنتاج الحصيف «أنّ المقاومة لم تكن يوماً مع فلسطين ومبادئ العدل والإنصاف، إنما كانت دائماً مع غايات أخرى». فإذا زالت «الغشاوة عن عينيك كما زالت عن عيني عزمي بشارة، وإذا تمعّنت جيداً في «حوار س و ص»، تهتدي إلى أنّ «المقاومة الحقيقية» هي عزمي بشارة بشخصه، أما تحرير الأرض وهزيمة إسرائيل، وخلق توازن الردع والرعب… فلا شأن لهذا كلّه بفلسطين من قريب أو بعيد، بل هو لخيانة فلسطين من أجل «غايات أخر».
يقول عزمي في مقدمة «حوار س و ص»، «إنّه باحث يبني تحليله على الحقائق والمعلومات ويحاول أن يتمسّك بالموضوعية العلمية». وقد اكتشف خيانة حزب الله «الأصلية» بالتجربة «العلميّة» والبرهان القاطع فيقول «ثم اكتشف س (عزمي) أن فلسطين غير مهمة لص (حزب الله) لأنّه (حزب الله) يغيّر موقفه ممن يناضل من أجل فلسطين بموجب موقف هذا المناضل من النظام السوري أو من «جماعتنا»». فإذا غيّر حزب الله موقفه من عزمي بموجب موقف عزمي من النظام السوري، يكون استنتاج الباحث «الذي يبني تحليله على الحقائق والمعلومات» أنّ حزب الله يخون فلسطين، أو أنه كان بالأصل يخون فلسطين. وعلى أساس هذه «المعادلة العلمية» الغريبة العجيبة يمكن القول إنّ الخروف نباتي وسعيد يأكل لحم الخروف النباتي، إذن سعيد نباتي. وعلى أساس هذه المعادلة «العلميّة» نفسها، يقول عزمي إنّ الشعب السوري يثور ضد النظام، والمجلس الوطني يؤيد الثورة، إذن وقوف عزمي مع المجلس الوطني هو وقوف مع الشعب السوري، لا مع قطر.
وفي حقيقة الأمر ما يقوله في استبداد النظام السوري على قياس «معادلاته العلمية»، يأخذ الشعب السوري مطية لنقل سوريا بحاضرها ومستقبلها من الاستبداد الأصغر إلى الاستبداد الأكبر، على هوى ومصالح دول «أصدقاء سوريا». هذه هي الإشكالية التي واجهت حزب الله كما واجهت هيئة التنسيق الوطنية والعديد من المعارضات والمثقفين والمناضلين السوريين والعرب، في رفض الخيار بين الاستبداد والاستعمار. وفي هذا السياق حاول حزب الله في بداية الأزمة حقن الدماء وإيقاف الخراب، بأن يوفّق بين تعنّت النظام وإصرار قطر وتركيا على تسليم أركان السلطة للإخوان المسلمين. وقد لمس الحزب لمس اليد أنّ النظام لم يكن وحده مسئولا عن اعتماد خيار الحرب، وأنّ هدف المجلس الوطني المدعوم من دول «أصدقاء سوريا» هو الوصول على ظهر الثورة إلى السلطة لتغيير موقع سوريا الجيو-سياسي. ولم تتأخر توقعات حزب الله على ما ورد في «ميثاق العهد» الذي يغدق وعود الحريات نحو إعادة تموضع سوريا في محور الحرية الأميركية.
الشعب السوري هو ضحية هذا الصراع على موقع سوريا الجيو-سياسي، وهو صراع داخلي – إقليمي - دولي في حرب عبثية حطبُها من أرواح فقراء الأرياف وأحزمة البؤس. ولا ترى المقاومة حلاً لوقف حمام الدم وحفظ ما تبقى من سوريا غير حل سياسي في الحوار بين السلطة والمعارضات، تمهيداً لمرحلة انتقالية آمنة تبدأ بوقف القتل. وقد يكون ما تراه المقاومة قابلاً للنقد والجدَل بالوقائع والمعطيات على ما تقول هيئة التنسيق الوطنية وبعض قوى المعارضات الأخرى، لكنّه نقد وجدل بين «جماعة» في الضفة الواحدة أو بين الضفتين، إذ يحتفظ كل طرف باستقلاله التام وخياره الحر. وبرغم اختلاف العديد من القوى مع مقاربة المقاومة، لم تبلغ النرجسية الصبيانية بأي طرف، لا يشارك المقاومة تقويمها، حدَّ ادعاء الطيران «فوق المعسكرات»، ولم يدّعِ أنّ المقاومة خوّنته أو اتهمها بالخيانة «الأصلية» والمكتسَبَة، لكن قصة عزمي قصة أخرى منذ أن دغدغ أحلامه رأسمال «المفكّر العربي» الرمزي. فهو يتبنّى بعناية فائقة فكر «مناهضة الاستبداد» على شيوخها قدامى الليبراليين، وعلى شبابها النيوليبراليين المهتدين بالحرية الأميركية وثورة المستوطنين البيض الدستورية في أميركا (راجع مقولته في الثورة والقابلية للثورة). وهي مدرسة «معادلات علمية»، على غرار ما سبق مثاله، تأخذ من تضحيات الشعب الذي يعاني الظلم والاستبداد مطيّة لتشديد التبعية إلى مصالح واستراتيجيات الدول «الديمقراطية» الغربية. وفي ظلّ اتساع الفجوة بين الضفتين المتواجهتين، كان لا بدّ أن «يكتشف» عزمي ما اكتشفه في المقاومة من «خيانة أصلية» لإزالة تناقضه الداخلي وإرساء المصالحة مع نفسه في انسجام مقدمات الاهتداء بالحرية الأميركية مع نتائجها.
بعد اكتشافه «الخطيئة الأصلية»، علينا انتظار «تحليلات علمية مبنية على الوقائع الموضوعية» للمطالبة بنزع سلاح المقاومة، أو محاكمتها بتهمة الخيانة (لمَ لا!)، طمعاً بتزويد الضفة الأخرى بدم ديمقراطي جديد. الطامة الكبرى إذا لم ينجح عزمي بأن يبزّ صغار المهتدين الذين سبقوه في الاكتشاف. عندها يكون قد خسر الزبد ومال الزبد، على ما يقول المثَل الشعبي «ذقنُ الطمّاع في حِجْر المُفْلِس».
* باحث لبناني، صحيفة الأخبار اللبنانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.