في غمرة أحزاننا العظيمة على رحيل العندليب الأسمر (زيدان إبراهيم) إلى رحاب الله، وبكل الأسى الذي استشعرناه كونه لم يجد العون اللازم في الوقت المناسب ، ومع تزامن انطلاق جميع الأصوات المهمومة بالإبداع مناديةً بضرورة الاهتمام الرسمي والشعبي بصندوق رعاية المبدعين كمحاولة متواضعة للإعراب عن بعض امتناننا وتقديرنا كونهم أثروا الساحة الفنية وشكَّلوا وجداننا الجمعي وفتحوا أمامنا مداخل للشجى والشجن وتقمصوا أحوالنا فتحدثوا عنها بإفصاح مبين..،أقول في غمرة كل ذلك الصخب تلوح بارقة من الأمل ننحني لها اليوم احتراماً، تتمثل في المبادرة الفنية الإنسانية النبيلة التي عكف عليها ساحر الكمنجة (عثمان محي الدين) ليكون حصادها الأخير إلبوم (ساحر الأوتار) الذي سعى عبره جاهداً ل(إنصاف) الفنان الكبير (التاج مصطفى). # فقد استغرف الموسيقار (عثمان محي الدين) بكلياته مؤخراً في البحث والتوثيق لتاريخ الأستاذ (التاج مصطفى) حتى تمكَّن من إعداد ذلك الإلبوم المتكامل الذي يحتوي على درر (التاج) الغوالي، إلى جانب إخراج كتاب شامل يتحدث عن مراحل حياة ذلك العملاق المختلفة والتي تتبعها بلغة عالية ودقة متناهية بروفيسور(محمد المعز مصطفى الدسوقي) في تعاون ٍ كبير مع هذا المشروع النبيل، ليمضي في تعريفنا على الكثير من الجوانب المشرقة التي قد لا يعرفها البعض عن التكوين الصوفي للأستاذ(التاج) ورحلته الطويلة مع المعاناة والمسؤوليات الجسام التى ألقيت على عاتقه في عمر مبكر ليكون العائل الأوحد لأسرته الممتدة بكل تفانٍ وإخلاص. # ويعد الأستاذ (التاج مصطفى) رائد الغناء بالفصحى دون منازع، إلى جانب أنه من أوائل الفنانين الذين حرصوا على صقل مواهبهم بالدراسة المتخصصة لعلم الموسيقى، ويُقال أن حرصه الشديد ذلك هو الذي وضع اللبنة الأولى لقيام معهد الموسيقى لاحقاً. والمعلوم أنه كان من جيل الرواد الذي أحدث تلك النقلة النوعية في الفن السوداني من مرحلة غناء الحقيبة إلى مرحلة الغناء الحديث، وتُعدُّ أغنياته (الفراش الحائر والملهمة) علامتان فارقتان في ذلك الزمان. كما أن دراسته للموسيقى على يد الموسيقار المصري (مصطفى كامل) أضفت على ألحانه وطريقة أدائه المزيد من الخصوصية ليمضي في ذات الألق والعنفوان والعبقرية اللحنية منذ البداية وحتى الرحيل. ولم يكتف (التاج مصطفى) بالاهتمام بتجربته الشخصية ولكنه اجتهد أيضاً في معاونة زملائه من خلال مدهم بألحانه الشفيفة. إلى جانب اهتمامه بذات القدر بمجاله المهني الأساسي ومحاولاته المقدرة في تطوير التدريب المهني للحرفيين الذين عاش ومات على ولائه لهم . # إن الحديث عن الرائع (التاج مصطفى) يطول، والكتاب المرفق مع إلبوم (ساحر الأوتار) يأخذك إلى عوالم بديعة في تشويق محبب، لتتعرّف عليه كفنان متفرِّد..وملحن مختلف..وأب استثنائي..وصديق وفي..وقبل ذلك كإنسان مجتهد أخلص في كل ما قدمه للناس واستحق هذا الخلود. لتأتي هذه المبادرة الوفية التى تنم على جمال ونُبل أخلاق الموسيقار (عثمان محي الدين) الذي عوّدنا على مثل هذا التجرُّد والتعامل الراقي والإنجاز في زمن تساقط فيه المخلصون وتراجع مثل هذا التفاني الغير مدفوع الأجر. ليُترجم إحساسه بالفضل والاحترام لمثل هذا العملاق إلى فعل إيجابى ولا يكتفي مثل غيره بالتنظير والكلام ومحاولة النَّيْل من الكرام الذين يعملون في صمت ليكتبوا أسماءهم بأحرف من نور في سِفر المجد السوداني والفن السوداني. # فالتحية للموسيقار (عثمان محي الدين) على هذا العمل الكبير الذي هو بصدد تدشينه مساء السبت الأول من أكتوبر بقاعة الصداقة تحت رعاية كريمة ومعهودة من الأخ(السموأل خلف الله) علم الثقافة الذي على رأسه نور التواضع والتعاون والصدق.. والتحية أيضاً للبروفيسور(نصر الدين شلقامي) الشريك الأصيل في هذا العمل منذ كان مجرد فكرة نبيلة وأمل أخضر، وربما يأتي ذلك في إطار حرصه على (حماية المستهلك) السوداني من الابتذال الذي بات يُسمى فناً بتقديم مثل هذه الجرعات الصحية من الفن الأصيل..والتحية والتقدير لأسرة الراحل المقيم (التاج مصطفى) على ما قدموه من تعاون وترحيب في سبيل أن يرى (ساحر الأوتار) النور ونراه معه..، موعدنا إذن ( ليلة السبت) بإذن الله حيث يلتقي (ساحر الكمنجة) مع (ساحر الأوتار) فيردد لسان حالنا..(وتلاقت قممٌ ياااااا مرحى). # يا عازف الأوتار..مالك على قلبي؟! أشعلت فيه النار، من جمرة الحبِ !!