بضع طابعات وحواسيب من بينها أجهزة (لاب توب) وماسحات ضوئية وقواطع ورق هي جميعها في الغالب أسلحة الجريمة التي يغرسها أفراد العصابات في خاصرة الوطن.. مسرح الجريمة حسب معلومات تحصلت عليها (الأهرام اليوم) هو مناطق طرفية بولاية الخرطوم من بينها منازل عادية لا تلفت النظر. القصة طويلة وفصولها أطول.. لن نستطيع القول إن ما نسرده هو البداية مثلما لن نستطيع الجزم بأنها النهاية.. فقد أكد مصدر ذو صلة ل(الأهرام اليوم) مفضلاً حجب اسمه أن عملية تزوير العملة أضحت أمراً في غاية السهولة، وبعد إبداء رغبتك في العمل داخل (الشبكة) يضعون لك قوانين صعبة وشروطا مثلما يضعون لك تهديدات ويعرضون عليك نموذجا وأمثلة للترغيب وأخرى للترهيب ومن بين التي ترهب هي في حال القبض عليك وإفشائك أسرار الشبكة سيكون مصيرك مجهولا وهذا الإجراء للضغط على أعضاء الشبكة لكي لا يدلون بمعلومات إلى الجهات الأمنية حول أماكن وجود الطابعات والآلات أو الأشخاص الذين يمارسون عملية التزوير نفسها. حوافز من المال الحرام وبالمقابل أكد مصدر عمل في تزييف العملة ل «الأهرام اليوم» أن حوافز عدة تعرض عليك لتسريب العملة المزورة داخل النظام المصرفي مثال أن تأخذ عمولة تبلغ قيمتها 400 جنيه مقابل كل 1000 جنيه يتم تسريبها وأكد المصدر ل(الأهرام اليوم) أن موزعي العملات المزيفة يستهدفون الآن طلاب الجامعات ويستغلون حاجتهم لإدخال مبالغ ضخمة من العملات المزيفة إلى النظام المصرفي عبر ضخها في السوق وأشار إلى أن عملاء الشبكة يطالبون بعض صيدهم من الطلاب بشراء كميات من كروت الشحن «إسكراتشات» والسبب أن هذا النوع من السلع لا توجد فيه خسارة إذ يرجع لك المبلغ كاملاً وليس فيه كسر وهنا يأخذ الطالب عمولته من المبلغ حسب حجمه. وأكد المصدر المزور ل (الأهرام اليوم) أن الأمر لا يقف عند هذا الحد بل تعدى ضحاياه من الطلاب إلى النساء اللائي يمتلكن بوتيكات صغيرة خاصة بالكريمات أو محلات اتصالات ويتم الاتفاق معهن في إطار كامل من السرية حتى لا ينكشف العميل المروج ويقمن بتسريب الفئات الصغيرة من العملات مثل (5-10-20) جنيهاً حتى لا ينكشف أمرهن وأكد المصدر أن العملاء يستغلون الحاجة المادية لضحاياهم وأشار إلى أن النسوة اللائي يقمن بعملية التسريب يأخذن أيضاً عمولات على ذات المنوال وكل حسب شطارتها. وأكد المصدر المزور أن عصابات التزوير تقطن في الأحياء الطرفية بعيداً عن أعين الرقابة ورجال الشرطة والأمن الاقتصادي في مركز المدينة حيث تقوى قبضتهم مشيراً إلى أن الأحياء الطرفية بضواحي العاصمة تتميز بالهدوء والأمن ووصف مواقعها في كل من شرق النيل وغرب أم درمان وشمال الخرطوم. أدوات في متناول اليد ويكشف مصدرنا خبايا الحصول على أدوات التزييف، وللمفاجأة فإنها في متناول يد الجميع، ويضيف المصدر: إن العاملين في هذا المجال يجلبون الورق الذي يستخدم في العملية من المكتبات، أما أجهزة ومعدات التزوير فيجلبونها من الخارج عبر المنافذ الرسمية «على عينك يا تاجر»، مشيراً إلى أن بعض المزورين يجلبون طابعات وأحبارا ملونة لإجراء العملية وقال إن هؤلاء يقولون إنهم يتحدون الجهات المختصة وأشار إلى أن التزوير يتم داخل منازلهم وأن بعضهم يضطر إلى جلب أجانب لهم خبرات في هذا المجال لضمان الجودة ويتم تقاسم الأرباح التي يجنونها من وراء التزوير. وأكد المصدر المزور أن المرحلة الثانية من عملية تزوير العملة هي ضمان وجود شبكة توزيع لتسريب العملة والتخلص منها عن طريق استبدالها في عمليات شراء عادية لا تلفت النظر وهنا تستخدم شبكة موزعين وتوضع الخطة باستهداف الأسواق الصغيرة الطرفية بعيداً عن مركز المدينة وقد تستهدف الولايات البعيدة في الغالب لضعف الرقابة وجهل المواطنين هناك إذ بالكاد يميزون بين العملة المزورة والأصلية. شبكة السوق العربي ولأن السوق العربي يُعد أكبر تجمع لتبادل العملات الوطنية والأجنبية، فإنه أيضا أكبر تجمع لشبكات التزوير حسب ما يحدثنا مصدرنا، فقد أكد المزور السابق ل(الأهرام اليوم) أن هناك شبكة موزعين داخل السوق العربي وتمارس عملها من الساعة الحادية عشرة مساءً إلى الثالثة صباحاً ويرافق الموزع شخص آخر يراقب الموقف من بعيد وأشار إلى أن الوقت المتأخر يجعلك تعمل في أمان بعيدا عن أعين رجال الشرطة وهنا تستطيع تسريب كميات كبيرة من العملة المزيفة عن طريق ضخها في السوق- يضيف- واستطعنا بالفعل إنجاز عمل كبير في أواخر شهر رمضان الماضي فقد كان هناك إقبال كبير من المواطنين على عملية الشراء قبيل عيد الفطر المبارك وأشار إلى أن السوق الآن يعيش حالة من الركود عقب عيد الفطر المبارك. إجابات وحلول دلفنا إلى مكتب مدير الإدارة العامة للعملة عوض عبد الله أبو شوك ووضعنا العديد من التساؤلات حول أضخم عملية تخريب اقتصادي على طاولته وهي قضية اتساع رقعة شبكات تزوير العملة الوطنية، وكان المدير يرد على أسئلتنا وهو يمسك بكمية كبيرة من العملات المزورة التي ضبطت بوساطة بنك السودان، وضعها على منضدته وأخذ يشرح لنا الفرق بين الأصل والمزيف، وابتدر حديثه قائلاً: إن التزييف جريمة معروفة عالمياً ومن الصعب محاربته لكن يمكن الحد منه عن طريق تطوير الآليات والعلامات التأمينية وقال إن التزوير مسألة خطيرة جداً لأنها تنتزع ثقة العملة الحقيقية وتضيع ثروة المواطن وتدمر اقتصاد الدولة. وحسب مدير الإدارة العامة للعملة في حديثه ل(الأهرام اليوم)، فإن بنك السودان له دور كبير في عملية تأمين العملة من حيث نوعية الورق قبل الطباعة مؤكداً على العلامة المائية والشريط اللامع وأشار إلى أنه خلال مرحلة الطباعة توجد مرحلة مهمة وهي الطباعة البارزة عند كتابة «بنك السودان المركزي» في العملة الجديدة وتلاحظ عند لمس العملة وهي مكتوبة بالحبر الممغنط باللون البني وهذه لا يمكن تقليدها أو تزييفها مطلقاً هذا بالإضافة إلى الشعارات المضيئة والطباعة الدقيقة هي جميعها تميز عملتنا عن المزيفة. وقال أبو شوك إن كشف حالات التزييف للعملة الجديدة ضبطت بعد دخولها بنك السودان المركزي أثناء توريد حسابات العملاء وأكد ل (الأهرام اليوم) أن بعض المزيفين انتهزوا فرصة استبدال العملة القديمة وعملوا على خلط العملتين بعملات أخرى مزيفة لكن سرعان ما تم ضبطها عبر أجهزة البنك إذ فرزت من الماكينة مائة ورقة مزيفة في اليوم الأول للاستبدال وقال أبو شوك إن التزييف الذي أحصاه بنك السودان خلال الأيام الماضية بلغت نسبته 10% وأشار إلى أن 90% من العملة المزيفة هي الآن داخل الأسواق بكميات كبيرة تتحدى الكل مشيراً إلى أن البنك المركزي لا يملك حلا سوى تأمين العملة بوساطة علامات مميزة على العملة الأصلية ونحن الآن نجتهد في تجويد العلامات التأمينية لمحاربة عمليات التزييف. تهاون جهات الاختصاص وانتقد مدير الإدارة العامة للعملة ل (الأهرام اليوم) تهاون أجهزة الاختصاص في دخول الأجهزة والماكينات التي تستغل في تزييف العملات دون فرض قيود أو معرفة الجهة التي تستوردها لذلك كثر استيرادها وانتشارها في الأسواق والقرى البعيدة بسبب فقدان التثقيف والوعي. وأكد أن قانون البنك المركزي يحدد المخالفات في مجال التزييف وكشف عن تسريب عملات مزيفة بصورة متقنة دخلت البلاد عن طريق دول الجوار وأشار إلى أن مزوريها ذوو خبرات عالية.