أكثر الأفكار واقعية هي التي لا تمضي مع شعارات الحكومة وقراراتها في ما يخص تشغيل الشباب بالاعتقاد الذي رسخ طوال سنوات حكمها أن الأقربين أولى بالتوظيف بغض النظر عن نظام القرابة المتبع، إن كان ولاءً أو دما ولحما أو مصاهرة أو علاقة. فالعلاقات المتوترة بين الحكومة وبين الشباب الأغلبية الذين لا ينتمون إلى حزب أو تنظيم إنما المنغمسون في التعليم والترفيه كشباب طبيعيين يتدرجون وصولاً إلى مرحلة التوظيف ومحاولات ردّ جميل الأهل؛ علاقة تترافق مع حقبة من المشاعر السلبية أكثر من الإيجابية فارتفاع نسبة العطالة متوازنة مع نسبة خريجي الجامعات سنوياً رغم كل محاولات مشاريع تشغيل الخريجين المفقودة حلقاتها الدائرية في منتصف المشروع إما بالتمويل أو التشغيل أو التطويل... الخ. ورغم التصريحات المتوهجة بحماس من وزير التنمية البشرية إلا أن السالب يترفع مؤشره باضطراد تجاه العطالة والبطالة! وإبطال مفعول السحر للوعود الرسمية التي تخدّر عقول وأحلام الشباب - بجانب المخدرات الطبيعية، لأن الصناعية أغلى!- لم يكن بفعل فاعل خير، بقدر ما قامت به الشمس من تسييح للمتجمد من تلك الوعود التي يضطر الشاب إلى تصديقها لمجرد أن يعيش على أمل بكرة. فالجلوس لساعات تحت الشمس أو قربها، قرّب لكثير من الشباب الفكرة البعيدة القديمة أن هناك مهنا (لا يمكن) بتشديد الفعل والنهي، أن يقوم بها ود البلد وبدون فرز للمهن طبعاً! الآن صرنا نلمس سخونة الدم السوداني يقوم بإزالة الملامح الأجنبية في كثير جداً من المهن لدرجة الشكوى من العمال الأجانب! وهو أمر ينطبق على الجنسين في الشباب. كم شابا صادفته يعمل سائق ركشة يضع عل مقعده الشهادة الجامعية وسادة تريحه من سخونة الحديد؟! كم شابة تلف المدينة دائرياً تبيع منتجا لا تثق به؟! تستخدم شهادتها الجامعية إسفنجة بودرة تعدّل بها درجة اللون في وجهها فهو سيرتها الذاتية! ليس ضرورياً الإجابة فيكفي أننا نعرفها معاً! وهذا وضع طبيعي وعقلاني وجمعي أكثر من محاولات الهروب والتهريب واللجوء الفاشلة لكثيرين إما بالرفض أو بالاصطدام بحقيقة أن الخارج فايتك بكثير ولن يرحب بك ويمنحك الدولارات بابتسامة عريضة! والعروض المستمرة لمعظم القصص المحزنة ومخجلة لأعمال الشباب في الخارج لمجرد الحصول على المال، فلم نسمع بشاب حصل على شهادة علمية إضافية خاصة إذا أنه خرج لاجئاً أو مهرَّباً! هي قصص تجعل الشباب الواعي يحسن التفكير ورفض التخدير والوعود والأكاذيب الحكومية، بالنزول إلى أرض الواقع، فتراهم يجوبون بقاع المدينة يغطونها بمهن مسجاة على كتف (رزق اليوم باليوم) تيسر لهم فقط الحركة الفيها بركة - لا ضير من حلم معقول على جانب الطريق! - ينافسون العمالة الأجنبية بفلسفة (الزاد الما كفى أهل البيت بيحرم على الجيران)! ومجاورين لحقوقهم الأصيلة دون الحصول على فرصة بالسلام عليها، مؤدين لواجباتهم للوطن بالخدمة الوطنية وللأهل بتوفير (كيس الخضار)، يرفع الشباب روحهم المعنوية وقدراتهم النفسية مبتسمين بتحية بليغة وشهيرة (شباب زي الورد) مستمرين في عمل فقط يوفر الماء لذاك الورد البلدي الأصيل، كي يتفتح كل صباح حامداً الله على نعمة العافية والستر، وكي يمنح الحكومة باقات منه تضعها على طاولة اجتماعات مجلس الوزراء!