{ في الحلقتيْن (2) و(3) ضمن هذه السلسلة، فتحنا الباب لمشاركات متصفِّحي النسخة الإلكترونيَّة، إثراءً للحوار، وتواصلاً مع الشارع السوداني في الداخل، والخارج، فسردوا قصصاً من الواقع، وملاحظات من عمق المجتمع العميق في الخرطوم والولايات الأخرى. { ثم نعودُ اليوم لنتساءل: ما هو الغرض من إنشاء جامعات وكليَّات في ولايات السودان ال (15)؟! لماذا لم تكتف الدولة بالجامعات والكليَّات الموجودة وإضافة أخرى في العاصمة القوميَّة؟! { لا شك أنَّ الهدف المفترض لإنشاء جامعات وكليَّات بالولايات، هو المساهمة في خدمة المجتمع (المحلي)، وتنميته وتطويره في كافة المجالات، التعليميَّة، والصحيَّة، والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. { فوجود (كليَّة طب) بجامعة «سنار» - مثلاً - يعني خدمة المستشفيات والمراكز الصحيَّة بولاية سنار، من خلال تدريب وعمل طلاب الطب، وأطباء الامتياز بتلك المؤسَّسات العلاجيَّة. { وإنشاء كليَّة تربية ب (الحصاحيصا) يُفترض أن يساعد في دعم المدارس والعمليَّة التعليميَّة والتربويَّة بالمنطقة وضواحيها. { أمَّا إذا كان الهدف هو افتتاح منشآت، ترافقها (مباني) صندوق رعاية الطلاب أو ما تُسمَّى ب (المدن الجامعيَّة السكنيَّة)، فإنَّ (النزيف) الأخلاقي.. والاجتماعي، وفاقد التحصيل الأكاديمي الذي يجعل الجامعات تدفع ب (أنصاف متعلمين)، سيستمر مهدِّداً بحريق شامل ل (الأخضر) و(اليابس)..! { ما الداعي إلى إهدار مئات المليارات من الجنيهات على إنشاء (داخليَّات) في «الخرطوم» والولايات، باسم صندوق رعاية الطلاب، إذا فرضنا على إدارة التعليم، وأولياء الأمور، قبول طلاب و(طالبات) ولاية «كسلا» في جامعة «كسلا» والخيار الثاني جامعة «القضارف».. والعكس. { طلاب «البحرالأحمر» يدرسون في جامعة «البحر الأحمر».. طلاب الولاية الشماليَّة يدرسون في جامعة «دنقلا».. وطلاب «الفاشر» يدرسون في جامعة «الفاشر»، وكذلك طلاب «نيالا».. و«زالنجي».. و«الأبيِّض».. و«مدني».. و.. { انتهت (عقدة جامعة الخرطوم) إلى غير رجعة، وقبلها انتهت عقدة مدارس الخرطوم التي تخرِّج (الأوائل)، فأوَّل الشهادة السودانيَّة للعام الفائت، جاء من مدرسة حكوميَّة في ولاية «كسلا» الطرفيَّة الفقيرة!! { قبل أشهر قصدتُ أحد المستشفيات (الخاصة) بالخرطوم، شاكياً من عرض، في ساعة متأخِّرة من الليل، فلفتت انتباهي همَّة، ودقة، وفطنة الطبيبة المناوبة في تلك الليلة (نائبة اختصاصي)، وكعادتي، أدرتُ معها حواراً أستشكفُ بها معلومات لفائدتي عن مشاكل الجهاز الهضمي. أوَّل ملاحظة خرجتُ بها أن روشتة (النائبة) حوت (عقاراً) لم أجرِّبه من قبل، لم ينصحني به أطباء «مصر»، و«سوريا»، و«لندن»..!! سألتُها هل تخرَّجت في (طب الخرطوم) أم (طب الجزيرة)، باعتبارهما الكليتين الأشهر، والأعلى في التصنيف الأكاديمي، على الأقل من واقع نتائج القبول لكليَّات الطب في بلادنا، فكانت المفاجأة أن ردَّت عليَّ قائلة: (أنا خريجة طب «الأبيِّض»)!! { سألتُ «صيدلاني» عن (العقار) الموصوف بالروشتة، فقال إنَّه نوع (متطور) من فصيلة (ليبراكس)..!! ولكنَّ الكثير من الأطباء لا يعرفونه!! { إذن.. انتهت (عقدة جامعة الخرطوم).. فلماذا تأتي (بنات) «الأبيِّض».. ليدرسن في «الخرطوم» ويسكن في داخليَّات «علي عبد الفتاح»، أو «البركس»، أو غيرها، والطب هو الطب.. والهندسة هي الهندسة.. والكيمياء هي الكيمياء.. وأول السودان جاء من مدرسة متواضعة في مدينة «كسلا» متفوِّقاً على المرفَّهين في مدارس الخرطوم (الخاصة) و(العالميَّة)..؟!