عادت العلاقة بين الحكومة والقوى السياسية المعارضة إلى حالة التوتر من جديد بعد أن اتسمت طيلة الفترة التي أعقبت انفصال الجنوب بالهدوء والحوارات والتفاهمات؛ ففي أحدث تصاعد لحدة التوتر بين الطرفين، استدعت السلطات الأمنية يوم الخميس الماضي المعارض فاروق أبو عيسى، وهو عضو بهيئة تجمع الأحزاب المعارضة، ورافق الاستدعاء هجوم عنيف من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم على «أبو عيسى»، شمل اتهامات ضمنية لكافة قوى المعارضة ب«السقوط أخلاقياً» عبر الاستقواء ب«الأجنبي» من أجل إسقاط النظام، وقد فهم المراقبون أن استدعاء أبو عيسى من قبل الأمن هو رسالة في الأساس موجهة إلى زعماء الأحزاب السياسية المعارضة، وفحوى الرسالة إن الحكومة يمكن أن تقابل أي تصعيد معارض بإجراءات على هذه الشاكلة لن تستثني حتى زعامات المعارضة الكبار، كما فسر المراقبون الخطوة بأنها تطبيق لتصريحات أخيرة لمساعد رئيس الجمهورية؛ د. نافع علي نافع: «إن الحكومة لن تسمح للمعارضة بتجازوز الخطوط الحمراء لإسقاط النظام»، لكن كيف تراجعت العلاقة بين الحكومة والمعارضة من «الحوار حول المشاركة في السلطة»، إلى مرحلة المواجهة؟! يبدو أن الدافع الأول للوصول إلى هذه النتيجة من الحدة بين الطرفين، هو فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق في الحوارات التي دارت مع أهم فصيلين في تحالف المعارضة وهما حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي، والحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة السيد محمد عثمان المرغني، إذ نجحت أحزاب التحالف الأخرى وخصوصاً حزبي «الشعبي» و«الشيوعي» في الضغط على الحزبين الكبيرين وإثارة قواعدهما، في إفشال حوارتهما مع المؤتمر الوطني. كما أن قضية المشاركة في السلطة وإصرار المؤتمر الوطني على محاصصة لا تشمل تخليه عن الجزء الأكبر في السلطة - بحجة اكتساحه للانتخابات الأخيرة - كانت المحرض الرئيسي للحزبين الكبيرين بأن يتخليا عن الحوار ويلزما جانب تحالف المعارضة الذي يرفع شعار: «إسقاط النظام»، رغم أن أهم فصيل وهو الذي يقوده الإمام الصادق المهدي غير متفق مع هذا الشعار وظل يدعو إلى شعار: «إصلاح النظام». كذلك، فإن قوى المعارضة تعتقد أن استمرارها في التصعيد ضد النظام في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، قد تؤدي إلى ثورة شعبية تطيح بالنظام كما حدث ويحدث في دول عربية أخرى، وبالتالي تقدر أن أية مشاركة في السلطة السياسية الحاكمة الآن يعد خطأ إستراتيجياً يصعب إصلاحه في المستقبل. ويرى مراقبون أن هذا التصعيد حال شمل اتجاهاً لتحريك قواعد المعارضة الشعبية، بالنزول إلى الشارع بهدف الضغط على النظام لتشكيل حكومة قومية تدير شؤون البلاد، ينذر باحتمال عودة حالة العداء المباشر بين الحكومة والمعارضة، خاصة فى ضوء جمود الموقف السياسي وعدم تحقيق أى تقدم في الحوار.