وتتوالى سرقات تاريخنا الحضاري وكنوز تاريخنا عبر عمليات بعضها منظم والآخر تصنعه المصادفة في إطار عمليات التنقيب العشوائي عن الذهب في مناطق أثرية من بينها ديم (القراي) بولاية نهر النيل، ومنطقة (وادي هور) غرب البلاد ومناطق أخرى بشرق البلاد.. إدارة الهيئة العامة للآثار أكدت ل (الأهرام اليوم) أن قطعاً أثرية قيمة تم العثور عليها من قبل سودانيين وتم بيعها بطرق عشوائية إلى أجانب استطاعوا تهريبها خارج البلاد، إلا أن مثار القلق الآن هو اعتراف أمين أمانة المتاحف ل (الأهرام اليوم) بقوله: إن الدولة فشلت في رقابة الآثار.. إلى هنا اعترف وكيل وزارة السياحة والحياة البرية أن جرائم سرقة الآثار أصبحت تتم تحت غطاء التنقيب، وأشار إلى تسلل محترفين في هذا المجال وتخفيهم وسط عمال التنقيب. أشهر سرقة تاريخ السرقات التي تعرض لها المتحف القومي للآثار ممتد إلا أن أكبر سرقة للآثار السودانية استهدفت المتحف نفسه هي سرقة 54 قطعة أثرية مختلفة خلال العام 2003، تمكنت السلطات لاحقاً من إرجاعها. إلا أن ما يخيف حقاً هو ارتباط تلك السرقات بعمليات التنقيب العشوائي لبعض المعادن مؤخراً على رأسها «الذهب».. إذ أكد اختصاصيون ومسؤولون أن السرقات التي تتعرض لها حالياً مواقع أثرية تتم تحت مظلة وباسم التنقيب ليختلط (الحابل بالنابل)، في تأكيد لرسميين أن متخصصين في البحث والتنقيب عن الآثار في السودان وفي مجال حفرياتها هم الآن يندسون وسط عمال التنقيب ويعملون على سرقة الآثار وتهريبها وتتورط معهم شبكات أجنبية. الهرم رقم (6) كانت هذه أول جريمة في تاريح سرقة الآثار السودانية منذ عام 1834 حيث قام طبيب إيطالي بالتخطيط لسرقة أحد أهرامات مروي بالولاية الشمالية، كان هدفه هو الهرم رقم (6) ونفذ مهمته بنجاح وقام بتهريبها إلى الخارج لتعرض في متحف (ميونخ) في ألمانيا، ثم تلتها حكاية آمنة بنت بابكر التي وجدت تمثالاً أعلن عن سرقته في منطقة «الدويم» ويرجع إلى مملكة (نبتة) المروية وهو من الذهب الخالص عيار (21) بارتفاع يبلغ 15 قدماً. ومزيداً من السرقات في عام 2001 حين سرق تمثال (كش اهون رابح) المصنع من الحجر الرملي من المواقع الأثرية في ديم (القراي) شمال شندي حيث تمت سرقته في جنح الليل، ولم يعثر عليه إلى الآن. هذه بعض حالات لسرقات مسجلة في تاريخ وسجل الآثار السودانية ليتوالي المسلسل وتتوالى عمليات سرقة ونهب الآثار تحت سمع وبصر جهات الاختصاص. داخل متحف السودان المدير العام للهيئة العامة للآثار وأمين أمانة المتاحف؛ د. عبد الرحمن علي، حدثنا من داخل المتحف القومي للآثار حول تهريب وسرقة الآثار التاريخية، فقال ل (الأهرام اليوم): رغم المكاسب التي وفرها التنقيب عن الذهب والكشف عن المعادن في مواقع بالمنقابر الأثرية القديمة إلا أن ذلك أدى إلى ضياع قطع أثرية مهمة عن تاريخ السودان القديم، وأوضح أن الرقابة على الآثار في مناطق التنقيب مستحيلة لا يمكن ضبطها وحمايتها، وأشار إلى أن الحل الوحيد الذي ينقذ الآثار من الضياع هو إيقاف التنقيب وإجبار الشركات الكبيرة على إجراء المسوحات الأثرية قبل التنقيب على المعادن. وقال إن قطاع الآثار من أكثر الجهات المتضررة بالسرقة ويؤكد ذلك العديد من البلاغات التي وردت لإدارة الهيئة العامة للآثار ومن السلطات الأمنية المنتشرة في الولايات، وأشار إلى أن أكثر المناطق الأثرية تضرراً هي منطقة شمال شرق السودان، حيث ازدياد عدد السياح الأوروبيين مع وجود مواقع أثرية قديمة بها قطع قيمة ويتم بيعها عشوائياً إلى المهربين الأجانب وتجار الآثار. مهربون أجانب وأكد د. عبد الرحمن وجود مهربين أجانب منتشرين في كل أنحاء السودان مما أضر بالمواقع الأثرية. وقال إن أكثر المناطق تضرراً بالسرقة هي المخازن الموجودة في الأقاليم التي يتم فيها تخزين الآثار العشوائية، وذكر ل (الأهرام اليوم) بحادثة تهريب تمثال الأمير (هيلا سلاسي) الذي قام بسرقته مواطن سوداني من متحف (البركل) وهربه عن طريق مطار الخرطوم وكان يحمله داخل حقيبة وهربه إلى بريطانيا وبعدما استطاع الإفلات من الرقابة بمطار الخرطوم قام بعرضه على المتحف البريطاني لبيعه وعلم المتحف البريطاني أن التمثال يخص المتحف القومي السوداني وأبلغوا السلطات البريطانية وتعرفت على التمثال، فقاموا بإبلاغ المتحف السوداني عن طريق الأنتربول وبعد تأكد السلطات البريطانية من أن السودان أثبت صحة ذلك أرسلوا الأثر المسروق إلى السودان وتم تسليمه عن طريق المطار وتمت محاكمة السارق ووضع التمثال في المتحف القومي بدلاً عن متحف البركل والآن موجود، وأرجع سبب السرقة إلى ضعف الحماية هناك في المنطقة، وكشف عن وجود سرقة داخل المتحف القومي حيث تم كسر المتحف وسرقة بعض الآثار المهمة، وفي ذات الوقت تم تهريبها إلى خارج السودان عن طريق المطار وبعد أيام من البحث والبلاغات عادت الآثار المهربة إلى السودان، وأرجع حدوث بعض السرقات إلى ضعف الحماية والرقابة على المتحف، ولكن الآن أدخلنا حماية كاملة شاملة عقب توجيه السيد رئيس الجمهورية؛ عمر حسن البشير، بالحفاظ التام على تاريخ السودان والآثار داخل المتحف القومي، وقال ل (الأهرام اليوم) إن الدولة فشلت في حماية الآثار ونحن جزء من الدولة ولا يمكن أن نحميها وحدنا ولا بد من إشراك المواطن في حماية تراث بلده، والآن قمنا بعمل شرطة جديدة لحماية الموقع بالتنسيق مع الجمارك وشرطة السياحة ومن هنا نناشد عبر صحيفة (الأهرام اليوم) جميع المواطنين في حال عثور أي مواطن على قطعة أثرية يأتي إلى المتحف ونقوم نحن بدورنا بفحص القطعة ويتم تعويضه على الفور بدلاً عن بيعها إلى الأجانب ومن يخالف ذلك يعاقب بالسجن خمس سنوات لأن السرقة والتهريب والبيع العشوائي مخالف للقانون، وطالب أمين عام المتاحف بتقديم الدعم المادي وبتكثيف الرقابة الأمنية على الآثار لأنها تمثل تاريخ السودان. التنقيب العشوائي: وكيل وزارة السياحة والحياة البرية؛ على محجوب عطا المنان، قال ل (الأهرام اليوم) إن انتشار جرائم سرقة الآثار يتم عبر التنقيب العشوائي الذي أصبح قضية أساسية نبحث عن حل لها، وقال: توجد في مناطق التنقيب عن الذهب في شمال شرق النيل في الولاية الشمالية وشرقاً وغرباً مع حدود تشاد وليبيا، وفي تلك المنطقة توجد مناطق سكن مغلقة لحضارات قديمة والآن أصبح المنقبون والبعثات الأجنبية يتمركزون هنالك عبر«وادي هور» على حدود تشاد، وتم العثور على مجموعة كبيرة من الآثار القديمة مما أدى إلى حدوث السرقات والتهريب عبر الحدود، وأصبح النشاط مستمراً عبر شبكة كبيرة جداً تتكون من أجانب وسودانيين وهي ذات خبرة عالية في هذا المجال. وقال إن هناك تداولاً في الحديث وأقاويل توضح أن الآثار التي توجد أثناء البحث والتنقيب عن الذهب تظهر عن طريق الصدفة، وأشار إلى أن الباحثين عن الآثار العشوائية هم عمال ذوي خبرة عالية يتخفون وسط عمال تنقيب الذهب ويبحثون عن غرضهم الأساسي وهو العثور على الآثار، وبعد العثور عليها يتم البيع والتداول مع الأجانب. وقال نحن في الوزارة لدينا قواعد ثابتة أولاً لا يسمح لأي أجنبي التنقيب في السودان إلا إذا كان مقيداً عبر شركة محدودة ومعروفة في مجال التنقيب، لأن الحدود واسعة ومناطق التعدين كثيرة، وكشف أن غالبية الذين يمارسون سرقة الآثار هم السودانيون وأن التنقيب عن الآثار يتم أحياناً بواسطة البعثات الأجنبية ويوجد بجانبهم سودانيون يعملون في التهريب يبلغونا بوجود الآثار، وفي ذات الوقت هم على اتفاق معهم لبيعها وتهريبها، وهي شركة كبيرة ومعروفة منذ زمن طويل ويعرفون مناطق الآثار في السودان «شبر شبر»، ويعرفون أيضاً قطع الآثار المهمة التاريخية ويعرفون عمرها ومدى أهميتها ويقدمون شرحاً وافياً عن أهمية القطعة وبعد الاتفاق يتم البيع وهنا تأتي مهمة الأجنبي وهي التهريب هذا ما يحدث في تجارة الآثار السودانية. وقال الوكيل رغم وجود شرطة حماية الآثار إلا أن عصابة الآثار تستطيع الإفلات من قبضتها وهنا تقع الجريمة سواء كانت سرقة أو تهريب آثار، وهذا مثل بعض التفلتات الأمنية التي تحدث بالبلاد. (2600) شرطي لحماية الآثار وكشف المنان عن أن (2600) شرطي في مجال السياحة منتشرون بالمتاحف والفنادق والحدائق السياحية ووسط العمالة المنقبة في الخفاء. وقال إن ما ضبط أثناء بيع الآثار كان يتم بواسطة الفرد الواحد وبالقطعة ومسرحها الفنادق الفاخرة وهنا تتم ملاحقتهم من قبل الشرطة لمعرفة المشتري والبائع سواء كان أجنبياً أو سودانياً، ويوجد سودانيون ذوو خبرة عالية في مجال التهريب والبيع للأجانب، وذكر وجود 35 بعثة أجنبية تعمل في التنقيب في السودان تحت إشراف الهيئة القومية للمتاحف، وفي حالة مخالفة أي بعثة لقوانين التنقيب أو في حال بيع أثر يتم محاكمتها باتفاقية مع وزارة المعادن. وقال وكيل السياحة نحن كوزارة سياحة نسعى إلى محاربة وسرقة وتهريب الآثار إلى خارج البلاد، وإذا فلت السارق من رقابتنا يتم حصرها بالخارج وتعود إلى السودان إذ يمكن التعرف على الآثار السودانية. وأكد وجود بلاغات لآثار مسروقة شملت كل من ولاية الخرطوم (9) بلاغات، ولاية نهر النيل (5) بلاغات وسجلت الولاية الشمالية (9) بلاغات أما ولاية البحر الأحمر فقد سجلت (11) بلاغاً مختلفاً حول الآثار.