بين وسمه ب(سلة غذاء العالم) و(رجل أفريقيا المريض)، تراوح الصورة الذهنية للدولة السودانية رسم خريطتها وتضاريسها لدى القادمين إليها، وعلى الرغم من اتساع مدى المفارقة المبذولة بين شتيت الوصفين، فإنّ المسافة بينهما تظلّ تحكي أيضاً شاسع المسافة بين فرقاء الدولة السودانية..!! خلال ساعات اليوم (الأربعاء) يحتضن المجال الجوي للبلاد الطائر الرئاسي الإريتري، وعلى متنه الرئيس أسياسي أفورقي الذي سيحلّ ضيفاً على نظيره السوداني في زيارة رسمية، في حين تترقّب الأجواء ذاتها وصول رئيس جنوب أفريقيا السابق ورئيس اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي ثابو أمبيكي في واحدة من مكوكياته المتعدّدة للعاصمة السودانية. أفورقي الذي تستغرق زيارته يومين سيجري مباحثات مشتركة مع البشير، وهي المباحثات التي لن تغفل بالطبع موضوعات تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بجانب تطورات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي، والزيارة تترقبها الدولتان بكثير من الاهتمام. { بالنسبة للجوار السوداني فقد ظلّ على الدوام فطناً للدور الرائد للخرطوم، سواء أكان ذلك عطفاً على مهماتها التاريخية - مثل المساهمة في تكوين منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي وعدد من المنظمات الأفريقية الأخرى - أو خطوط الجيوسياسيا المشرعة للخرطوم من خلال تحكمها في مفاصل وتقاطعات الجغرافيا والدبلوماسية والموارد في قلب القارة الأفريقية. { أمبيكي الذي يصل هو الآخر على رأس لجنة الاتحاد الأفريقي لإجراء محادثات مع الحكومة حول القضايا العالقة بين الشمال والجنوب، رحب السودان بزيارته. وبحسب النشرة الصحفية التي عمّمها السكرتير الصحفي للرئيس فقد عبّرت الحكومة عن تقديرها للاتحاد الأفريقي ومواقفه الداعمة، وما تقوم به لجنته التنفيذية عالية المستوى من جهود، مؤكداً التزام الحكومة بالاستمرار في التعاون مع اللجنة حتى تتوّج جهودها ومساعيها الحميدة بتوصّل الطرفين إلى حل دائم يسهم في ضمان الأمن والاستقرار بين جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان. { مدير جامعة أفريقيا العالمية والخبير في منطقة القرن الأفريقي بروفيسور حسن مكي الذي استنطقته (الأهرام اليوم) حول أبعاد زيارة أفورقي والملفات المحتمل تداولها قال: من الطبيعي أن تكون هناك زيارات بين السودان وإريتريا، والزيارات يجب أن تتم باعتبار أن هناك قضايا متجددة على الصعيد المحلي، من بينها افتتاح الطريق القاري الدائري الذي يربط بين (إريتريا والتاكا). الذي اعتبره مكي سيسهّل حل إشكالات التجارة البينية وتجارة الحدود بين الدولتين. { وفي منحى سياسي لأبعاد الزيارة اعتبر مكي أن الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي قام قبل فترة بزيارة إلى أوغندا التي كانت الخصم والعدو اللدود لإريتريا، وتوقع مكّي أن يقوم أفورقي بتنوير الحكومة السودانية حول زيارته إلى كمبالا، فضلا عن رأيه ومواقفه في ما يحدث في دولة الصومال والتدخل الكيني في الأراضي الصومالية، وتوقع بروفيسور حسن مكي أن يتحدث الرئيس الإريتري أفورقي خلال زيارته إلى السودان عن المصالحة (الإريترية - الإثيوبية) التي اعتبرها مهمة للغاية وتلعب دوراً إيجابياً في علاقات الدولتين. ولم يستبعد الرجل أن تناقش زيارة أفورقي إلى الخرطوم القضايا الشائكة في القرن الأفريقي والتحركات الاستخباراتية التي تشهدها المنطقة. { محدثنا يمضي في طرح أبعاد إقليمية أخرى ربّما حملتها الزيارة: (أفورقي فقد أحد أهم حلفائه وأصدقائه المهمين وهو نظام العقيد الليبي المخلوع معمر القذافي)، الخرطوم – حسب ما يمضي مكي بالقول - منطقة مهمة للتواصل مع النظام الجديد في ليبيا. { بالنسبة للمختص في العلاقات السودانية الإريترية الدكتور الأمين عبدالرازق فقد قال في سياق حديثه ل(الأهرام اليوم) إن العلاقات السودانية الإريترية الآن هي في أحسن أوضاعها منذ العام 1994م مبينا أن دولة إريتريا تمسك بملفات مهمة في منطقة القرن الأفريقي من أهمها (ملف الصومال وجمهورية جنوب السودان)، وزاد أن إمساكها بهذه الملفات جاء باعتبار أنها جزء من منظمة (الإيقاد) فضلا عن أنها كانت في السابق حاضنة للمعارضة السودانية. { عبدالرازق توقع أن تكون الزيارة أخوية وليست عدائية، على اعتبار أن العلاقات بين (الخرطوم وأسمرا) ظلت مستقرة لفترات طويلة، وتوقع أن تناقش الزيارة القضايا الثنائية وبعض الإشكالات الأمنية التي رشحت في الفترة السابقة بين البلدين قبل أن يقول إن العلاقات بين البلدين الآن في أحسن حالاتها. { وحول تزامن زيارة أفورقي مع زيارة أمبيكي قال الأمين: جاء التزامن باعتبار أن أمبيكي ممسك بملف حل القضايا العالقة بين (الشمال والجنوب) علاوة على اهتمام إريتريا بقضية جنوب السودان، وزاد أن القضايا متداخلة ما بين الشمال والجنوب وإريتريا ولذلك تزامنت الزيارة لمناقشة القضايا والسعي لحلها باعتبار أن أمن السودان يؤثر على أمن إريتريا والعكس، ولم يستبعد الأمين أن تناقش الزيارة سبل تطوير العلاقات بين (إريتريا وإثيوبيا). { رئيس اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي للسودان ثابو أمبيكي يمكن التواضع على أنّ (القضايا العالقة) هي العنوان الأبرز لزيارته، وكان الاتحاد الأفريقي قاد من قبل مبادرات واجتماعات انتهت باتفاق بين الدولتين على تجميع القضايا في محاور وتحديد خطوات وآليات للمعالجة دون التقليل من أهمية ما تم الاتفاق عليه، ويرى مراقبون أن الاتفاقيات لا تجد شيئا إذا لم تتوفر الإرادة السياسية للطرفين للالتزام بما تم الاتفاق عليه، التي اعتبروها مرتبطة بديناميكية الواقع السياسي الشائك لما بعد اتفاقية السلام، فضلاً عن المصالح الحيوية لمراكز القوة المتنفّذة عند الطرفين وما يفرضه الواقع نفسه عليهما من تنازلات حفاظا على مصالحهما، كل في إطار الكيان السياسي الذي ارتضاه (دولة الجنوب للحركة الشعبية ودولة الشمال للمؤتمر الوطني). { رئيس اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي للسودان (لجنة حكماء أفريقيا) ثابو أمبيكي الذي بذل جهدا مقدرا وسعى سعيا حثيثا للوصول بالجانبين (الشمال والجنوب) إلى نقطة الالتقاء والاتفاق بشأن القضايا العالقة، قال في وقت مضى في حديث له أدلى به في ندوة (السودان وأفريقيا رؤية للمستقبل)؛ إن اتفاقية السلام الشامل بعد الانفصال يمكن أن تكون مثالاً وتفضي إلى نظام سياسي جديد، داعيا الدولتين بعد الانفصال إلى عدم التخلي عن التكامل والتفاعل بين (الشمال والجنوب) فيما طالب الجانبين بالتعاون المشترك، مبيناً أنه في حالة الانفصال فإن السودان الذي ظل متنوع الإثنيات والديانات سينقسم إلى قطرين (جنوب وشمال) كليهما أفريقي على قدم المساواة. ونبّه أمبيكي في المحاضرة المشار إليها إلى أن الانفصال يجب أن يجعله الجانبان لحظة فارقة تعطي السودان الإمكانية التاريخية لصنع بداية جديدة ونقطة بدء نحو المستقبل وحياة أفضل لكافة شعب السودان وإرساء سلام حقيقي ودائم.