هذه العبارة اشتهر بها أو اشتهرت به لا أدرى الصيرفي الكبير نقد الله أحميدي، رئيس اتحاد المصارف السوداني السابق، فعندما لا يعجبه أداء بعضهم يطلق عبارته المعتادة هذه «وبعدين معاكم»! والشيء بالشيء يذكر، فإخواننا الجنوبيون برغم أن دولتهم تحت «خط الصفر» ولم تبدأ بعد، وهي لم تفعل شيئاً حتى الآن غير رفع العلم فوق سرايا الفقر والجهل والمرض، لم تفعل غير إراقة نشيدها الوطني على أرض تفتقد أدنى مقومات التوطين والحياة، فبدلاً عن ذهابها مباشرة في طريق تعويض شعب الجنوب فرصه الضائعة في الحياة والاستقرار والرفاهية على افتراض أن هذا الشعب قد أخذ أنصبته كاملة من الاحتراب والنزوح، وأخذ حظوظه غير منقوصة من الفقر والعوز والحاجة لكنها ذهبت بطريق آخر فأصبحت الدولة الخطأ التي تسلك الطريق الأكثر خطيئة، فقد بدأت هذه الدولة مسيرتها غير المباركة في افتعال الأزمات وتصفية الحسابات مع الدولة الأم الرؤوم التي حملت ووضعت وربت، فلم يذكر السيد باقان أموم ورفاقه المناضلين أننا قد وهبناهم ذات لحظة تاريخية خالصة دولة على طبق من ذهب، كما عبر عنها السيد الرئيس البشير يوم إعلان الانفصال فقال إن الإخوان الجنوبيين عليهم فقط أن يستخدموا مفتاحهم لتدور دولتهم، وذلك في إشارة إلى النفط، فالنفط الذي صنعناه بليل الأسى ومر الذكريات بدءاً من استخلاص تراخيصه من براثن الشركات الأمريكية الشرسة وصولاً لمعالجته في الصحارى والضهاري وبناء مؤسساته على مسيرة آلاف الكيلومترات من الصحراء إلى البحر إلى خزينة بنك السودان، ولم نجد في نهاية المطاف أحداً يمتلك بعض قيمة ليقل فقط «شكر الله سعيكم»، بل لم يطربهم أن نهبهم ثلاثمائة وخمسين ألف برميل في اليوم ونحتفظ فقط بمائة وعشرين ألف برميل، إنهم يسعون الآن بقوة وعبر أذرع ما بقي من حركة شعبية في الشمال مع استخدام حركات دارفور وضغوطات ما يعرف بالمجتمع الدولي إلى تفكيك ما بقي وراء ظهرهم من دولة السودان! وهي مسوغات ترقى لدرجة التساؤل المقلق، تساؤل السيد نقد الله «وبعدين معاكم»، فالآن أعظم أزماتنا تنتج في دولة الجنوب وتصدر عبر واجهتي النيل الأزرق وجنوب كردفان إلى الشمال، علماً بأن الحدود التي تفصل بيننا تذهب إلى أكثر من ألفي وخمسمائة كيلو متر، صحيح أن بعض أشواق القوى العالمية تتحالف مع بعض مرارات وثأرات بعض الجنوبيين لتجعل السودان دولة غير مستقرة وغير قادرة على التقاط أنفاسها وترتيب أولوياتها. لكننا ومهما تعاظمت هذه المؤامرات فإننا ننتظر ثورة الشرفاء الجنوبيين المفترضة، فالسيد فاقان أموم ليس بمقدوره أن يرهق هذا الشعب البرئ لكل الوقت فلا بد أن ينهض بعض العقلاء يوماً بشعار «الأولوية للتنمية والإعمار» وبناء الدولة الجديدة وإلا ستضاف هذه الدويلة غير مأسوف عليها إلى كشف الدول الفاشلة في القرن الأفريقي، سيما وأنها مرهقة للآخر بالقبيلة المحتربة فضلاً عن الجوع والفقر والسلاح! لكن هناك شيء آخر لا يستوعبه هؤلاء المناضلون ألا وهو «قوة إرادة السماء» ذات القوة الخارقة التي جعلت أعداء السودان يتساقطون واحداً بعد الآخر، فرأيتم كيف كانت نهاية طاغية ليبيا وأحد أشهر صناع أزمة دارفور، ثم العدو الآخر السيد حسن مبارك الذي ينقل على طاولة بين المجالس والمحاكم، ودول تشاد وإثيوبيا وإريتريا يعدن إلى رشدهن ويرعين حقوق الجوار. فالسماء لن تضيعنا لطالما أنفقنا واحتملنا وصبرنا وصابرنا، فضلاً عن دماء الشهداء التي تسيل الآن في أكثر من مكان. مخرج.. خامة لا زالت قادرة على صناعة الشهادة وإنتاج الشهداء والثوار، هي أمة حية ستكتب لها الحياة والنصر بإذن الله تعالى.