{ تحاصرني الذكريات من كل النوافذ، كلما أدرت وجهي عنك أجدك امتداداً للوجود، بكل وجه أبصر ملامحك المتعددة الظهور فتارة تجيء على هيئة بكاء، وتارة تجيء على هيئة ابتسامة مخيفة، ولكني لا أخشاك بعد الآن، فهيبتك التي كانت تملأ علي خشيتك كان منبعها احترامك لي، كانت نظرتك تحمل شظايا الألم وبقايا الدواء. { كانت ابتسامتك تفتح طريق الحياء على مصراعيه وكنت تلقن أطفال اشتهائي أجوبة الصمت الموجع. متسعاً للمخابئ جئت وتعمدت إخراج كل ذرة إحساس في أحشائي من مكمنها واستعنت بخبرتك التي لا أدري ولا يدري أحد من أين أتيت بها، وعشقتك حتى آخر قطرة عشق جادت بها السماء على أرضي القاحلة، وأودعتك اخضراري إلى حين خريف آخر وها أنت تأخذ ربيع العمر وتمضي مثل طائر ملّ جوع صغاره فأخذ يقتلع من عيون المارين طعامهم! { مضت السنين وانجلت عتمة الوحدة لتأتي أنت، هذّبت المواقيت نفسها واصطفّت في انتظار قدومك الغارة، النهارات استعدت كي تبثك لابتهالات الشموس، والليالي السود أرجت احتفاءها بك لحين غياب الظلام لأنك قمر لا يعرف الاختباء، دهر من الانتظار ولى في انتظارك، ودهر من الحزن أتى بعد غيابك!! { ربما أنت ابتلاء آخر من ابتلاءات القدر، أو ربما ثوب عرس استأجرته الظروف لترتديه في وجهي، وتتزين به حتى لا أعرف ملامحها أو ربما فرحة أيام كتب لها أن تمحو نفسها قبيل بزوغ الضياء! { ضياع أنت وبقاء، عورة وستر، غفوة وصحو، منطق وهراء، اختلال واتزان، موت وحياة، فتارة تقودني نحو ضياع لا ينتهي، وتارة تمنحني البقاء، تارة تكشف أحزاني لكل عين، وتارة تسبل الفرحة ستراً على جسدي، تارة تبثني النوم نهاراً، وتارة تأخذ النوم وتمشي، تارة تلهمني الحكمة، وتارة تمنحني من الناس ابتسامة الغموض، تارة تملأ العقل عقلاً، وتارة تسلمني جثة للجنون، فيا من جئت للحياة حياة لماذا تقتلني كل طرفة عين ألف مرة؟!.