غير أننا نستطيع التصفيق بشدّة حالما تنتهي الوصلة الموسيقية البارعة من الفنان المتكامل (شرحبيل أحمد)، فإننا كذلك نستطيع الدخول إلى عالم مليء بالدهشة والعفوية والبساطة، تمثله أسرة متكاملة على الفنون وبالفنون.. شاركته فيها العازفة، السيدة (زكية أبو القاسم) ما يزيد عن خمسين عاماً من الاهتمام المحترف بالتشكيل والموسيقى والغناء لم تنقصها الخبرة التربوية في ما يتعلق بتعليم الأبناء السبل الوافرة والغنية لزمان غير زمانهم بالتأكيد لكنه يتقاطع معه طولياً وعرضياً بالاهتمامات وطرائق التفكير والتعبير. عبورنا آمنين مساء الجمعة الماضية بمسرح مدرسة (مجتمع الخرطوم) إلى المدن الشرحبيلية العامرة بخير الفنون، جعل من السياحة المترفقة الأولية عبر التوثيق المختصر له وللمحطات المهمة في حياته، مهمة محفوفة بمخاطر انتظار حضوره على المسرح، هو وأسرته في فكرة منفتحة عبر الحوار، على مسرح الهواء مباشرة بمعنى التعبير! بمحاور تبدو في بداياتها عادية إلا أنها بقدرة الأستاذ (عمر عشاري أحمد) في التقاط الإشارات الذكية والتفتحات الزهرية لورود الكلام و(الونسة) وبالطبع العفوية المطلقة للفنان (شرحبيل) ساقت الحوار وأيدينا مترافقين حتى نهاية الفقرة الأولى من البرنامج، بشوق يقف على قدميه باتجاه الفقرة الثانية. الثواني الفاصلة بين الأسئلة والإجابات ملأتها أنفاس المحبين الذين ملأوا مقاعد المسرح - التي تقارب الأربعمائة - حاضرين بمحبة وفضول ورد جميل لفنان لم يأل جهداً وزمناً في توفير المستوى المثالي للالتزام بالفن بشكل يليق ويحترم به كخيار وبالإنسان الذي يؤديه كمحترف، جعلت منه خير مثال لنوعية التقديم الثقافي الذي يصفيه منتدى (دال) الثقافي. وهو نقاء مبرر بالنسبة لكثيرين حالما ترى الأستاذ الشاعر (محمد طه القدّال) قيّماً عليه، لذا فإن اختيار الموضوعات لا يأتي عبثا أو بمحاباة لجهة أو اسم بقدر ما إنه يمثل شكلا يليق بمستوى الثقافة السودانية المعنية. المعنى الواضح للاحتفاء به وتكريمه كفنان متكامل وضح جلياً عبر توزيع لوحات مطبوعة بعناية حال انتهاء الحفل الموسيقي، كان له دلالته التي نتمنى أن لا يتم التقاطها كحدث فقط تتم تغطيته عبر القنوات الناصبة لكاميراتها باجتهاد ومثابرة في نقل الإحداثيات الفنية والثقافية بالخرطوم، إنما تمتد لتشمل الاعتناء بها كقيمة عبر الاستضافات المحترمة لتاريخ وحاضر ومستقبل ذاك الفنان. الجينات الفنية لأسرة الفنان (شرحبيل) متمددة عبر أبنائه فكما يعرف كثيرون أن (ناهد) هي عضو في أول فرقة أكروبات سودانية، و(نهى) راقصة تؤدي الرقص النقري و(شريف) الغني عن التعريف بموسيقاه وأدائه ورّصته في عقد الجلاد، و(محمد) عضو فرقة (سودانيز باند) و(شهيرة) (شهاب) و(أحمد) - ما شاء الله - لا يقل أحدٌ عن الثاني في مدى تورطه العاطفي والاحترافي في الفن الأدائي بمختلف أنواعه، ناهيك عن الأحفاد الذين أدوا بعفويتهم فقرة راقصة زادت من نقاء وعفوية الليلة، بشكل جعل الجمهور يؤيد الفكرة الفاخرة التي قدمها (عمر) معلّقاً على (إنها كأسرة تحوي كل هذه الفنون وتعيش بينها في بيت فني حقيقي لا شك تحتاج لحراسة مشددة!).