كان الحدث الذى طغى على كل الأحداث في مثل هذه الأيام من عام 1977م هو الزيارة الشهيرة التى قام بها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إلى إسرائيل. وقد تمت الزيارة وسط ذهول كل العرب من المحيط إلى الخليج، كما أنها في نفس الوقت حازت على قدر كبير من الإعجاب العالمي، وشبهت أجهزة الإعلام الاهتمام الدولي بتلك الزيارة ومتابعتها في التلفزيون بذلك الاهتمام الذي لقيته لحظة هبوط رائد الفضاء الأمريكي آرمسترونج على سطح القمر عام 1969م وهو العام الذى تولى في مطلعه ريتشارد نيكسون رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقيل وسوف يقال الكثير عن الأسباب التى جعلت الرئيس السادات يقدم على تلك الخطوة التي لم تطف من قبل على أكثر الخيالات اتساعاً. وقد دفع السادات بعد أربعة أعوام من تلك الزيارة الثمن غالياً، إذ قتل أثناء العرض العسكري السنوي المقام احتفالاً بذكرى حرب أكتوبر التي كانت أهم إنجازاته وكان هو كثير الافتخار والمباهاة بها، وترتب على تلك الزيارة اتفاق كامب ديفيد في سبتمبر 78 ثم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مارس 1979 التي أفضت إلى اعتراف مصر بإسرائيل وتبادل التمثيل الدبلوماسي بينهما ثم انسحاب الجيش الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء. وهناك وجهة نظر تقول إن الرئيس السادات لم يكن مضطراً إلى القيام بتلك الزيارة وإنه لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية في مصر في ذلك الوقت من السبعينات وطرح موضوع الزيارة في المؤسسات المختصة، ومنها البرلمان، لما حظي بالموافقة، فالشعور العام في مصر وفي العالم العربى خارجها كان ضد الاعتراف بإسرائيل ما لم يسترد الفلسطينيون حقوقهم الوطنية كاملة أو حتى شبه كاملة. ولكن كان النظام المصري ديكتاتورياً رغم ادعاءاته بالديمقراطية، فقد كان الرئيس هو الآمر الناهي. وكان السادات نفسه في مقدمة من يقرون بذلك ويمارسونه وقد نسب أنه قال إنه هو والرئيس عبدالناصر آخر فراعنة مصر ولم يكن يتخيل في ذلك الوقت أن هناك فرعوناً ثالثاً في الطريق هو الريس محمد حسني مبارك الذي حكم مصر بعده وظل يحكمها إلى أن أطاحت به ثورة 25 يناير 2011م. هل كانت زيارة الرئيس السادات لإسرائيل في مثل هذه الأيام من عام 1977م، وهي الزيارة التى جرحت الكرامة الشعبية وهزت القناعات الراسخة بدور مصر وبأنها الأكثر تأهيلاً للتصدي العسكري لإسرائيل، تعبيراً عن مرارات خاصة عاناها في مصر طفلاً وصبياً وشاباً كما رأى البعض، ربما. وربما أن الإساءات الجارحة التي وجهها له الشعب المصري في تظاهرات يناير 1977م وذكر ذلك أيضاً كانت سبباً آخر. وقد أطلق المصريون على تلك التظاهرات اسم انتفاضة الخبز لكن الرئيس السادات سماها (انتفاضة الحرامية)، مستنداً إلى بعض أعمال السلب والنهب التي تخللتها ولم يكن الرئيس موفقاً في هذا الاسم، فقد كانت انتفاضة شعب، والنهب حدث ويحدث في كل أو معظم الثورات والانتفاضات.