{ غشيه مزاج هائل وسكنت بدنه الذاكر طاقة حب لإخوة له فهبط من مجلسه إلى الأرض وهو يمعن في مزاجية نادرة وبساط أحمدي والسهل الممتنع دون أن ينقطع وصل الحديث الشفيف الذي كان يدور بينهم حتى أدركهم المغرب فصلوه جماعة عند أقرب مسجد وتفرقوا من بعد ذلك ولكن ظلت صورة الرجل وصدق رفقته وصداقته وتمام حبه لإخوته تتجاذب الأفكار داخل مخيلتي وأنا أغار من لطفه وجمال مخبئه وثبات وجدانه أمام وسواس الناس حتى لا يفتنه مع أصحابه ورفاقه وكم من صديق وصاحب سقطت من بين يديه تلك المعاني والمبادئ وفقد بفقدها أعز أصدقائه وأحبابه. { أدركت الرجل كثيرا وسط أحبابه وعند ذكراهم وسيرتهم حين أتجاذب الحديث معه عنهم فأستشف تقديره لهم وكنت أختبر صدقه عند غضبه فألحظ أعمق مما كنت أرى منه في لحظات رضاه عنهم والرجل يحب الحديث في كل شيء ويرسم منه أفكارا وحياة وأفقا وهو مستمع جيد وقارئ دقيق يلتقط الكلمات ومعها إشاراتها التي ترتسم على الوجه وربما الوجوه إن كان بالمجلس أكثر من وجه ويتخيل للمتحدث خياله حتى وإن أعجزه التخيل وصار يطلق الكلام دون أن يلقي له بالا فتجده يضيف بملامحه لحديث المتحدث فهو شديد الحساسية لكل حرف أو كلمة يلتقطها مسمعه فتبين مؤشراتها عليه وترسم. { نشأت بيني وبينه مصطلحات ونهضت أفكار منحت صداقتنا طعما وحوارنا أفقا وبعدا خامسا يجعل من المستحيل أن يطبق على لحظات اللقاء ملل أو يخترقها قلق وتصيبها رتابة وقد درجنا نغرق في لحظات جميلة تعزلنا عن محيطنا وما يعكر صفو لقيانا وحتى المكالمات الهاتفية تسرق أرصدتنا دون أن نأسف عليها وفي المكالمة الهاتفية يحلو السمر حتى وإن تربعت الشمس في كبد السماء والحديث في مثل هذه المكالمات يمضي سلسا وحلوا ونكسب من بين الثنايا حديثا كثيفا لم نتفوه به ولكننا اعتدنا التقاطه فالكلمة الواحدة وقبل أن نتجاوزها تحمل بين طياتها عشرات الكلمات ومئات الدلالات والإشارات وهكذا حتى علمني الرجل ذكاء الحديث ومتعته وأفكاره الكبيرة وقبل أن تبدأ رحلتي مع الرجل كنت لا أستدرك إلا بعد لحظات فتعجزني العودة بالحديث وتصحيح خبث الخبثين ولكن الآن صرت أدرك قبل أن يتفوه خبيث المدينة أو بريئها بكلماته والردود أضحت جاهزة وكثيرة تحمل خيارات تستجيب لكل مقام. { الرجل وقد اختط لنفسه مسارا يجمعه بأحبابه وينأى به عن الآخرين لا يجمعه بهم إلا ما يجمع عامة الناس في الواجب ويرتب لفعالياته التي لن يستطيع أن يخترقها شخص لا يرغب في مودته وصداقته وحسن رفقته ويجري كل هذه العمليات الاجتماعية وكأنه يجري عمليات حسابية لا تتجاوز جداول الضرب وفي يديه آلة حاسبة وداخل هذه الفعاليات المختارة يصعد الإتيكيت إلى قمته وتستجيب الجلسة لكل ما من شأنه بسط المزاج والرجل يختار كل شيء بعناية فائقة تجد الاستحسان من أحبابه وزمرة إخوته في الله فيسعد بهم ويسعدون به ويتفرقون وفي النفس شيء من حتى. { سمعته ذات مرة وهو يلتقط مكالمة من شقيقته التي تصغره وقد أزعجه ضعف في صوتها فسمعته يبادلها الحديث بقلق وشفقة وكأن قلبه من خلال كلماته يكاد ينفطر ولم يهدأ له بال طوال اليوم وهو يكرر اتصاله بها إلى أن صرخت في وجهه صرخة انتفض لها وجهه ودخل في موجة ضحك وتبدل حاله وسعدت لحظاته وهو يغلق الهاتف هذه المرة وهو يقول لي الحمد لله بقت كويسة ومن يومها تيقنت أن سر هذه الحميمية وهذه المودة والرقة هو قلب كبير مملوء حب وود لكل الاختيارات الجميلة التي تستحق كل هذه المشاعر الجياشة وبجانب ذلك يملك صديقي انتباهة اجتماعية تجعله قادرا على تفسير كل الظواهر الاجتماعية التي تضرب مجتمعه بحكم المعرفة الواسعة التي اكتسبها دون أن يجلس لمدرس ليعلمه تأويل تلك الظواهر ولكنه علم نفسه بنفسه واكتسب مهارات ومعارف وإبداعات. { صاحب الأسطر.. أخطرته أنني سأكتب عنه في حلقة الخميس الاجتماعية وهو سادتي ينتظر محتارا ماذا أكتب وفي الخاطر الكثير الكثير من دروس الحياة التي تعلمتها من هذا الرجل وما يتبادر إلى ذهني دائما سلامة الموقف في كل شيء وقد علمني كيف أحافظ عليه بأسهل مما كنت أتوقع.