كان الفريق الراحل الأستاذ إبراهيم أحمد عبدالكريم يكن تقديراً استثنائياً لمدينة أم درمان وكان يحبها حباً مسرفاً، وعبّر عن ذلك ذات مقال بكلام لا ينسى ومبتكر في نفس الوقت عندما كتب يقول إنه أم درماني بالتجنس فهو من مواليد كوستي ولا أعتقد أنه أقام بأم درمان سوى عامين أو زهاءهما أيام كان طالباً في كلية الشرطة التي كان مقرها في ذلك الوقت بأم درمان. فقد كان كثير التنقل من مدينة إلى أخرى بحكم عمله ضابطاً في الشرطة. لكنه بحكم أنه كان ضابطاً قارئاً كان يعرف حجم ومكانة أم درمان في تاريخنا المعاصر، سواء في العمل الوطنى أو الغناء أو كرة القدم أو الحياة الاجتماعية وبناء الإحساس بالانتماء الواحد وانزواء القبلية والجهوية فى داخلها. ورغم تميز دور أم درمان في هذه المجالات إلا أن هذا الدور لم يقتصر عليها وإنما لعبته إلى جانبها بدرجات متفاوتة كل المدن الكبيرة، ومنها على سبيل المثال ودمدني والأبيض وبورتسودان وعطبرة وكسلا وكوستي والقضارف ونيالا والفاشر وإلخ.. ولقد ارتبطت أم درمان بالجموعية ثم بالمهدي الذي جعلها عاصمة للبلاد، بل إنه والخليفة عبدالله هما اللذان أسساها كمدينة. ومن الغريب وهذه نقطة أثيرت أكثر من مرة أن أم درمان في ما بعد حجبت تأييدها عن الأنصار الذين هم أسطع مكونات حزب الأمة وأصبحت دوائرها الانتخابية مقفولة للاتحاديين وأكثر من ذلك أنه فى انتخابات الحكم الذاتي التي أجريت في نوفمبر 1953م سقط فى إحدى دوائرها حفيد المهدى السيد عبدالله الفاضل المهدي. وكان أول منتم لحزب الأمة يفوز في إحدى دوائر أم درمان بعد الاستقلال هو محمد عثمان صالح وكان ذلك في انتخابات 1965م وأثناءها كانت الحركة الاتحادية منشقة إلى حزبين هما الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي الذي قاطعها. وفى انتخابات 1986م استردت أم درمان بعض أنصاريتها القديمة فقد فاز كثير من مرشحي حزب الأمة، ومما يجدر ذكره أن رئيس الحزب السيد الصادق المهدي لم يرشح نفسه قط في أي من دوائر أم درمان وكانت فرصته في الفوز بإحدى دوائرها فى انتخابات 1986م واسعة لكنه أحجم عن ذلك وترشح وفاز في الجزيرة أبا فكأن سقوط عمه السيد عبدالله الفاضل المهدي في انتخابات 1953م بأم درمان كان لا يزال يلقي بظلاله وربما أنه اختار الجزيرة أبا لرمزيتها ولضمان الفوز بها رغم أنه أسقط في نفس هذه الجزيرة من قبل أحد أحفاد المهدي. وفي انتخابات 1986م دخل الساحة طرف ثالث هو الحركة الإسلامية ولم يقتصر التغيير على أم درمان وحدها وإنما شمل بحري والخرطوم، ففي بحري مثلاً فاز فى تلك الانتخابات الصحفي السياسي الإسلامى الأستاذ مهدي إبراهيم وهي الدائرة التي لم يفز بها من قبل إلا اتحادي، سواء كان هو الشيخ علي عبدالرحمن الأمين أو نصر الدين السيد، وإذن لم تتغير أم درمان وحدها وإنما تغيرت مدن أخرى كثيرة، ومؤكد أنها تغيرت أكثر وأكثر خلال العقدين الماضيين اللذين شهدا انفراد الإسلاميين بالحكم وانفصال الجنوب. لقد كان كبار السياسيين والمطربين ولاعبى كرة القدم في الماضى من أم درمان أو أن معظمهم كانوا منها ثم تغير ذلك ولكن ورغم كل ما جرى تبقى أم درمان (حاجة تانية).