اعتدنا أن نسبغ على أنفسنا أحسن الصفات، فنحن - السودانيين - أكرم أهل الأرض وأذكاهم وأكثرهم معرفة بالسياسة والشعر والتاريخ والفن وكرة القدم وقوانينها، ونحن الواد في العمل الثوري، والربيع العربي مثلاً بدأ من هنا من الخرطوم وبقية مدن القطر، عندما أجبرنا نظاماً عسكرياً على أن يتنحى ويستجيب لمطالبنا بعودة الجيش إلى ثكناته واسترداد الديمقراطية، التي كان لحكومة السيدين التي كان يرأسها الأمين العام لحزب الأمة العميد م عبدالله خليل - نصيب وافر جداً في وأدها في نوفمبر 1958م . ثم تكرر المشهد بشبه حذافيره في أبريل 1985م مع ملاحظة مهمة يجب تسجيلها هي أننا في أكتوبر 64 كنا ننطلق من تلقاء أنفسنا ولم يكن هناك وجود لأي بعد خارجي، فقد كانت المسألة برمتها نزاعاً بين الشعب الطيب العظيم وبين نظام الفريق إبراهيم عبود الذي أصلاً لم يأت إلى الحكم في عام 1958م باختياره. وفي أبريل 1985م كانت الرغبة الشعبية في التغيير جارفة، ولكن كانت هناك عوامل دولية وإقليمية وطبيعية تمثلت في الجفاف والتصحر، ولقد كان لهذه العوامل دور لا ينكر في تسهيل عملية الإطاحة بالنظام المايوي . أما عيوبنا فإنها أكثر من أن تحصرها ورقة.. إن النفس السوداني النضالي مثلاً قصير للغاية، ولا يعتقد أحد أننا كنا قادرين أو مستعدين للاستمرار في التظاهرات والإضرابات لو أن الفريق إبراهيم عبود رفض أن يستجيب لرغبة الشعب على نحو ما فعل العقيد الليبي معمر القذافي وعلى نحو ما يفعل الآن الرئيس اليمني الفريق علي عبدالله صالح والسوري الدكتور بشار الأسد . ويرى بعض الناس أن هذا الذي نراه عيباً هو في حقيقة الأمر ميزة وهو ليس قصراً في النفس النضالي لكنه تسامح وتقديس للحياة واستبشاع للصراعات الدموية . وقد كان لنا نصيبنا المشهود من الصراعات الدموية، لكننا كنا نتصالح بأسرع ما يمكن، وكنا ولا نزال مع بعض الاستثناءات شعباً معصوماً من الاغتيالات السياسية، ومما ينبغي أن يسجل في صالح حكومات الخرطوم المتعاقبة وحركة أنيانيا والجيش الشعبي الذي قاده قرنق وسالفا كير الآن والحركات المسلحة الأخرى، أن الإغتيالات السياسية التي هي أسهل أنواع العمل التآمري الخسيس لم تكن قط من أولويات واهتمامات أي من تلك الأطراف . ومن هذه الملاحظة العابرة نستطيع أن نبني وأن نؤسس لحلول شاملة نهائية لكافة مشكلاتنا وصراعاتنا وخلافاتنا الداخلية وتلك الخارجية التي في مقدمتها مشكلاتنا وخلافاتنا مع دولة جنوب السودان، مع ضرورة أن نتمسك وأن نقاتل إذا اقتضى الأمر إذا ما تعرضت وحدة الوطن لأي خطر