{ ماتت (أم الأيتام) بعد صراع طويل مع المرض، لم يفت من عضدها وتماسكها وتفانيها ولم يمنعها من رعاية الأيتام وتربيتهم وتوفير احتياجاتهم فقد كانت عليها رحمة الله امرأة صبورة وكريمة وحكيمة لم يشهد لها قومها إلا بذلك وأكثر وقد مات عنها زوجها قبل ثلاثين سنة قضتها من بعده تقوم بواجب الأب وسيدة وسط عشيرتها، لها كلمة ومبادرات اجتماعية في السر والعلن، أقامت بفضلها صروح وحيوات وأسر وعوائل وقد كانت تقوم على مبادراتها وتنفق عليها ما تملك من مال وإن قلّ ولا تتردد في فرض السهام على من يستطيع من أهلها لتقيم حياة أو تبني داراً لمن لا يملك الدار من الأهل والعشيرة ولم يكن بيين أهلها من يرد إليها طلباً طالما هو الخير بعينه وقد كانت تنصر المسكين والفقير والمحتاج وهى تتفقدهم صباح مساء. { هى امرأة من أهلنا في شبشة تدعى (عدوية بت السماني) كفلت (37) يتيماً زوجتهم جميعاً عدا واحدة تنتظر نصيبها وهي ما زالت يافعة، ربما في مجتمعاتكم أيها القراء نماذج لفعالها وتفردها وحسن سيرتها فقد كانت رحمها الله حازمة وحاسمة ويكسوها لطف وتسكن قلبها رحمة ومودة للفقراء ومن جانبها حرص على الواجب لن تجد منها تقصيراً مهما ضغطت عليها الظروف وقد كانت تصل أهلها حتى في أيام مرضها حتى منعها المرض تماماً عن الخروج من البيت وكانت إذا انقطع عنها نفر من أهلها كانت ترسل في طلبهم لتعاودهم وتراهم وتطمئن عليهم في صحتهم وأحوالهم وأبنائهم وأهل بيتهم وهي بذلك تحمل المقصرين إلى واجبهم بفضل شفافية تتمتع بها وقبول من أهلها لا يدانيها فيه أحد وهي ترسل عبارتها لمن يحملها من الأهل «قول لفلان عدوية طولت ما شافتك تعال تسلم عليك»، وقد كانت في مرضها تنفق من القليل الذي بين يديها وتطعم الفقراء والمساكين. { ماتت (عدوية) وسط أحبابها اليتامى وقد بكوها أكثر من بكائهم على آبائهم وأمهاتهم، ماتت وقد صبرت على المرض ولم تيأس ولم تتضجر، كانت تحمد الله وتبتسم وقد غسل المرض سيئاتها وذهبت إلى بارئها تحمل من الخير الكثير وقد خص الرسول صلى الله عليه وسلم فعالها تجاه اليتامى بقوله «أنا وكافل اليتيم كهاتين»، وقد زوجت للكثيرين منهم ووقفت بجانبهم تحمل عنهم تكاليف الزواج ويتصل سندها لهم إلى ما بعد الزواج وهي بذلك تحتمل من المسؤوليات ما يعجز عنها الأغنياء من الرجال وهي بجانب اليتامى يجتمع عندها الفقراء من عامة الناس فتؤانسهم وتستمع إليهم وتغرق في مجلسها معهم وتكاد تنسى نفسها وسطهم.. تضحك وتضاحكهم وتخدمهم بدلاً من أن يخدموها وتحرص على تناول طعامها معهم وتفتقد من يغيب عنها وترسل إليه أو تصله في داره. { في حياتها احتملت فراق الزوج والأبناء والبنات والإخوة في مراحل مختلفة وقد كانت تحتمل كل حادثة بصبر فريد وإيمان عميق وهي تدرك حقيقة الدنيا وزوالها وحتمية هذه الأقدار التي ضربت حياتها وسلبتها أعز الناس لديها واحداً بعد الآخر دون أن تجزع كما تفعل النساء في مثل هذا المقام الحزين فتجدها على النقيض تمارس الحزن بفضيلة الصمت والاستغفار والتهليل والتكبير بصوت خافض، وللنساء في مدينتنا سجل من الحكايات الفريدة التي تكشف عن سر عظيم كان يقف خلف الابتلاءات التي ابتليت بها (عدوية بت السماني) وحياتها بعد تلك الابتلاءات التي هي حياة صحابيات القرن الواحد والعشرين لهول ما نسمع من مصاب وعظيم ما نشاهد من إيمان وتسليم بقضاء الله وقدره وكأنها تحديداً تفرح بقضاء الله ومصابه وتسعد وهذا إخوتي ربما مقام من مقامات التسليم بقضاء الله وقدره. { شيعها اليتامى والفقراء والمساكين واحتشد أهلها كما لم يحتشدوا من قبل ومن داخل موكب حزين حملوها إلى مثواها الأخير راضية ومرضي عنها بإذن الله سبحانه وتعالى وتعالت أصوات الرجال، كل الرجال وهم يبكونها بكاء لو تأمله صاحب فطرة وذكاء لاستشعر خصالها وفضلها ومكانتها الرفيعة عند من يبكونها في تلك اللحظة وما من أحد لم يبكيه فراق (عدوية بت السماني) وكاتب السطور من على البعد من إستانبول بتركيا بكاها لحظة تشييعها وبعد رحيلها وسيذكر دوماً محاسنها ويعزي نفسه وأهل بيتها وعموم الشباشة بالفقد الجلل، (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.