رغم أنها ما زالت في فترة العدّة على رحيل زوجها - عليه الرحمة - استضافتنا في بيتها وأفردت لنا مساحة من الزمن لإجراء هذا الحوار.. دكتورة سعاد الفتاح تسامت على وجعها الخاص، وعلى جرحها لتتحدث عن جراح البلد.. قوية حتى حين تجهش بالبكاء.. لم يخنها تماسكها ولم تضعف حين طفرت دموعها أثناء الحوار، ثم ذرفت حار الدمع حزناً على فقدها.. الحوار كان للمراجعة والتقييم، والدكتورة وضعت بشجاعة إصبعها على مواطن الجرح وهي تقول: (نعم لا بد من المراجعة وتصحيح المسار).. وفي الحوار حملتنا رسالة إلى الصادق المهدي وأخرى إلى الشيخ الترابي، كما حملتنا رسالة دافئة إلى رئيس تحرير هذه الصحيفة: (قولي للهندي عز الدين أنا أتابع مسيرتك وأتابع صحيفتك التي قفزت بالزانة وحققت نجاحات كبيرة - رغم أنها (جاءت أول أمبارح) - إنت نجحت وتميزت، و(الأهرام اليوم) صحيفة مقروءة، وفي الوسط الذي أعيش وأعمل فيه النساء من حملة الدكتوراة وحتى الكتّاب وما قبل الكتاب يقرأونها ويتابعونها.. حقيقة هناك تميز وهناك شجاعة وصراحة).. بحسب شهادتها.. سعاد مضت بالقول: (الهندي عز الدين أنا أحبه حب الأم لولدها، فهو (ولد شقي)، كما يقول المصريون).. معاً نتابع حوار المراجعات: { دكتورة مسيرتكم خلال ال22 سنة الماضية كيف تنظرين إليها؟ وكيف تقيمينها؟ مسيرة الإنقاذ أصابت نجاحات كبيرة وأيضاً أصيبت ببعض الإخفاقات، ومن الطبيعي أن يخطئ الإنسان في مسيرته ومن أبرز نجاحات الإنقاذ أنها وبالرغم من انفصال الجنوب أوقفت نزيف الدم الذي عانت بسببه هذه البلاد.. وهناك انتقادات كثيرة لاتفاقية السلام ومع احترامنا لكل الآراء التي تقف ضد الاتفاقية إلا أنها حققت هدفاً كبيراً جداً، هو إيقاف الحرب ومن النجاحات أيضاً الطفرة الهائلة في التنمية، التعليم مثلاً توسع رأسياً وأفقياً هناك طبعاً بعض المشاكل بسبب هذا التوسع وفي العمران هناك طفرة كبيرة، ومن النجاحات أيضاً النجاح الباهر في الخدمات إذا ما قسناها بالتخلف الذي كانت تعيش فيه البلاد قبل الإنقاذ، ومن أكبر النجاحات طبعاً تدفق البترول في البلاد، والذي اقتلع مشكلة شح الوقود من جذورها. { لكن بالرغم من ذلك هناك إخفاقات كبيرة أيضاً..!! هناك إخفاقات طبعاً.. الإخفاق الأول هو انشغال الإنقاذ بإطفاء النيران التي كانت تضرمها القوى الأجنبية المعادية.. فمجرد ما وعت هذه القوى طبيعة النظام وتوجهه صوّبت ضده حرباً شعواء وهي كانت تهدف إلى تفكيك القطر بعدما فشلت في إسقاط الحكومة وذلك حتى لا تكون البلاد وحدة واحدة تحت هذا التوجه الإسلامي الواضح المعلن.. فكان يمكن للإنقاذ ويمكن لنا كلنا - وأنا جزء لا يتجزأ من الإنقاذ - كان يمكن أن تقوم بتوزيع المجهودات والمهام في محاور، محور يهتم فقط بعملية التنمية ولا يلتفت إلى غيرها ومحور آخر يلتفت إلى الإعلام ومخاطبة الغرب ومخاطبة القوى المعادية وتوجيه الإعلام لبناء علاقات مع المنطقة القريبة، العربية والآسيوية والأفريقية.. كان يمكن أن يحدث هذا، لا سيما أن الإنقاذ تتمتع بعضوية نوعية وكمية لم يتمتع بها السودان في تاريخه السياسي لكن هذا لم يحدث؛ الذي حدث هو أن العمل اتجه لمواجهة الاستهداف الخارجي وهذه أنا اعتبرها واحدة من الإخفاقات.. لكن حقيقة الهجمة الخارجية كانت كبيرة. { من أكبر الإخفاقات أن المشروع الإسلامي الذي تبنيتموه لا يزال في مرحلة اللافتة والشعار..!! هذا غير صحيح.. المشروع الإسلامي ليس لافتة وإليك البراهين الآتية؛ منذ أن كنا نعد لهذه الإنقاذ كانت هناك خطة لنشر الإسلام والقرآن والسنة في عمق القطر، والناس أصلاً مسلمون ولكن يحتاجون لنفض الغبار الذي اعترى العقيدة والمجتمع، الإنقاذ اهتمت بالمساجد والخلاوي حتى أصبح يوجد بين كل مسجد ومسجد؛ مسجد.. في كل مصلحة حكومية أصبح هناك مسجد، حتى أننا تعرضنا لنقد بسبب ذلك، فهناك من يعتبر أن في هذا تبديداً للمال، والخلاوي انبثت وانبثقت في كل الأحياء الفقيرة والغنية وهذا نجاح كبير جداً للمشروع الإسلامي. { المعاملات الربوية في البنوك والمصارف والقروض الربوية التي تتعامل بها الدولة توضح أن المشروع الإسلامي لافتة ومساجد وشكليات فقط..!! نعم البنوك - حتى التي تدعى أنها تتعامل بالنظام الإسلامي - تتعامل أيضاً بالربا، ولكن؛ قبل أن نتحدث في هذا نقول إن هناك مجاهدات ودراسات واجتهادات في ما يختص بتصفية وتنقية الاقتصاد من الشوائب غير الإسلامية.. وهناك اهتمام كبير من العلماء والمعاهد والجامعات و... ولكن هذا الاهتمام لم ينته بعد إلى ترك المعاملات بالفوائد الربوية، وهذه من الأخطاء الكبيرة جداً جداً، ومن الإخفاقات التي التفت إليها الآن.. وأنا أذكر أن الأخ عمر البشير رئيس الجمهورية من أوائل الناس الذين التفتوا، وفي الفترة الماضية دعا إلى ترك ومحاربة المعاملات الربوية في المصارف وفي غير المصارف، فحتى في البيع والشراء تجدين هذه المعاملات بالفوائد الربوية.. على أية حال هناك اجتهادات، ولكن هذه الاجتهادات إلى الآن لم تؤتِ أكلها كاملة.. ونأمل إن شاء الله إذا سرنا بمبدأ التخصص وتوزيع المهام والجهود أن يفضي بنا ذلك إلى محاربة هذا العمل المشين. { دكتورة.. حتى القروض الخارجية الربوية التي لجأت إليها الدولة بحجة إحداث التنمية تعد إخفاقاً كبيراً في مسيرة المشروع الإسلامي، وهذا ما دعا دكتورة عائشة الغبشاوي إلى أن تنكر هذه القروض الربوية وتقول إنها هي سبب المحق الذي تعاني منه البلاد والناس اليوم..!! الله تعالى يقول في محكم تنزيله (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) وآيات الربا فيها عقاب غليظ؛ (فأذنوا بحرب من الله ورسوله).. هذا للذي لا يترك التعامل بالربا.. هذا خطأ كبير، وأنا أخشى إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن أن تصاب البلاد بمكروه كبير لأن الربا خطيئة كبيرة.. { هذه الأخطاء والإخفاقات تؤكد أنكم رغم حديث بروف إبراهيم أحمد عمر وأسئلته التي طرحها عليكم تفتقدون إلى نقد الذات..!! حديثكم الآن بعد 22 عاماً - عن أن الربا خطأ وإخفاق، ألا ترين أنه حديث جاء متأخراً جداً؟! في الحقيقة الأخطاء كثيرة، وكلما توسع العمل كلّما اشتدت الهجمة من الخارج، والخارج هجمته كبيرة.. من الصعب جداً أن تواجه أي دولة نامية أمريكا وإنجلترا وألمانيا وما يفعلونه بنا الآن، وأن تلتفت إلى التنمية أو إلى المشروع الحضاري وإلى نقد الذات.. الناس الآن كأنهم في سباق مع الزمن في سباق لحماية هذا البلد من النيران التي تشعل حوله.. النقد مهم، فإذا لم تنتقد نفسك لن تتقدم خطوة إلى الأمام.. أنا أعتقد أنه إذا بدأنا حملة منظمة ومرتبة لنقد الذات فلن يرفضها أحد، نحن ندعو إلى نقد الذات.. وأنا دعوت إخواتي كلهن من داخل هذا المنزل ومن خارج هذا المنزل، وفي منظماتنا منظمات المجتمع المدني دعونا إلى تصحيح المسار، بل وبدأنا في تكوين جسم اسميناه (تمام) لنقوم بالنقد الذاتي الذي تتحدثين عنه بالنظر إلى الخلف وإلى الأمام، ولكن هذا العمل لم يكتب له النجاح أو الاستمرار لأن هناك أناساً (وقفوا فيه وما مشوا فيه)، فإذا استمروا فيه على الأقل لكانت تصحّحت مسيرة المرأة في مسيرة العمل الإسلامي. { هذا عن تصحيح مسيرة المرأة وماذا عن تصحيح مسيرة الحزب؟! إلى أي مدى توافقين بروف إبراهيم أحمد عمر في حديثه عن ضرورة الوقوف للمراجعة وتصحيح المسار؟ أوافقه 100% نعم .... لا بد.. { دكتورة في إجابة محددة كيف تقيمين تجربة المشروع الإسلامي؟ هل أنت راضية عن التجربة؟ هل ترين أنها فشلت؟ نجحت؟ ....؟ هي لم تفشل ولم تنجح.. النجاح الذي أريده ويريده إخواننا الإنقاذيون لكنها لم تفشل قطعاً ولكن هناك بعض الهنات التي بعضها صغير وبعضها كبير، يجب أن نلتفت إليها، ويجب أن نعالجها وبشجاعة. { نقطة كان يجب أن تراجع ولم تراجع خلال مسيرة ال 22 سنة أو خطأ ارتكب ودكتورة سعاد صمتت عنه، وندمت الآن على صمتها؟ (بسرعة وبطريقة غاضبة قالت): - سعاد الفاتح لا تسكت على خطأ، هذا يجب أن تعرفيه أنت وغيرك..، أنا لا أسكت على خطأ ولكن سعاد الفاتح محاربة من الإعلام، محاربة من كثير من الكوادر الموجودة.. وهذه الحرب أضرّت بي كثيراً وأضرت بالأشياء التي كان (ممكن تطلع للناس ليعرفوها و....) ولكني لا أسكت عن خطأ.. الذي يسكت عن خطأ شيطان أخرس، وأنا لست شيطان ولست خرساء. { حسناً.. خطأ تم تصحيحه وأسعد سعاد الفاتح تصحيحه؟! - (بعد لحظة طويلة من الصمت قالت): أشياء كثيرة أسعدتني، على رأسها ما فعله إبراهيم أحمد عمر في ثورة التعليم العالي، وأقول لك لماذا أنا سعدت؟.. صحيح التعليم الآن فيه ضعف ولكن الثورة التعليمية التي رفع شعارها إبراهيم أحمد عمر أتت بأبنائنا من الخارج (ودخّلتهم جوة)، (برّدت حشانا)، وعندما يكون ابني معي أراقبه وأتابعه وأصحح أخطاءه.. إبراهيم أحمد عمر فعل هذا، ولكن للأسف لم تهنأ البلد كثيراً ببقائه في التعليم العالي، وهذا بالمناسبة واحد من الإخفاقات.. بمجرد أن ينجح شخص في عمل يتم نقله إلى موقع آخر ظناً أنه سينجح هذا الموقع كما أنجح ذاك، وهذا خطأ..!! فالذي أنجح ثورة التعليم العالي هو إبراهيم أحمد عمر.. نجح في هذا ولم ينجح في قيادة المؤتمر الوطني.. الذي نجح هناك هو نافع.. نجح في أن يعمل حزباً كبيراً جداً لا حدود له.. فأنا سعدت كثيراً بما فعله إبراهيم في ثورة التعليم العالي..