السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشردون.. قصة من قاع المدينة!
نشر في الأهرام اليوم يوم 15 - 12 - 2011

لفظتهم البيوت البائسة المتهالكة والمتحللة.. احتضنهم الشارع بأهواله ومتاهاته.. مضوا في بحر الظلام ودهاليز الليل يقتادهم الضياع ويسامرهم الحزن.. تاهت نداءاتهم في عمق اللحظات الموحشة.. يتعثرون في دروب المخاطر بقلوبهم الواجفة.. يصارعون أمواج الموت جوعاً.
المشردون، ندبات وكدمات على جبين المجتمع.. بل حالة انسحاق وإهانة لكرامة الإنسان.. تتزايد أعدادهم كل يوم.. تهزم الرعاية الاجتماعية وتكشف هوان النظام التعليمي والتربوي وتفضح استكانة مجلس الطفولة.. تستهزئ بسلبية اللجان الشعبية.. تركل القوانين المحنطة.. ترفع العباءة عن المجلس الوطني، المساحة ما بين انعقاد الورش والاجتماعات تعبرها ليال ليست كالليالي.. ليال يتربص فيها الاغتصاب برجال المستقبل.. ونساؤه يتخطفهن الحمل سفاحاً.. ليال يدهسهم فيها الجوع ويسحقهم الخوف.. تجرفهم الرذيلة.. والمحصلة انسلاخ مجتمع عن مجتمع.. الناتج مجتمع غريزي له قوانين خاصة وأعراف خاصة وحتى لغة خاصة.
(الأهرام اليوم) تطرح تساؤلاً: ألم يحن الوقت لنترك القاعات والمكاتب وننزل إلى قاعهم الاجتماعي؟
{ الطريق إلى المشردين
كثيراً ما استوقفتني تجمعاتهم، سواء في مدخل السوق الشعبي بأم درمان قرب المستشفى الصيني أو جوار سينما كلزيوم بالخرطوم.. يفترشون الأرض في عز الظهر ويغطون في سبات عميق غير عابئين بما يجري حولهم من ضجيج الحياة، فقط اكتفوا بقطعة قماش مشبعة بالمواد الطيارة يضعونها على أفواههم وهم يجوبون الأسواق.. تبدو أشكالهم في ملابسهم الرثة أشبه بالكائنات البشرية، أو ذاك المشرد الذي لم تبارح صورته ذاكرتي لفتني إليه تجمع كبير من المواطنين يتضاحكون ويضعون أيديهم ومناديلهم على أنوفهم، توقفت، كان المشهد صادما بحق، أحد المشردين يغوص في مياه الصرف النتنة والمخضرة يحثوها على وجهه وشعره وكامل بدنه، يبدو مستمتعاً تماماً.. يغادر الصرف لوهلة ويعود إليه أشد شوقاً ويواصل حثو المياه على بدنه. أو مشهد أولئك الفتيات والصبيان الذين صادفتهم عند التاسعة مساء في شارع الدكاترة بأم درمان يتقافزون ويتماسكون ويصدرون صياحا لم أدرك كنهه. بذلك يبثون الرعب في أوصال من حولهم وهم الذين سكن الرعب قلوبهم ربما أياما وليالي وشهورا طويلة.. وليس ببعيد عن الأذهان الحادثة الشهيرة التي صدحت بصوت الخسارة الفادحة معلنة عن مقتل عشرات المشردين لتزيح ستار الذاكرة عن حادثة أخرى زلزلت أركان المجتمع وقتها عندما دهست شاحنة مجموعة من المشردين اتخذوا من بقايا الكرتون غطاء وفراشاً وهم بالعراء انقضت عليهم تلك الشاحنة بكل ثقلها لتبعثر أعضاء بعضهم بينما أخرجت أحشاء آخرين.
ويعمق من المأساة عندما خرج علينا المجلس الوطني بإعلان تزايد المشردين إلى سبعمائة ألف حالة الأمر الذي سرعان ما نفاه ل(الأهرام اليوم) رئيس لجنة الرعاية الاجتماعية موضحاً أن هناك (صفر زايد) والرقم أقل بكثير.
{ المشاهد موجعة
اقتربت من مجموعة قرب سينما كلزيوم قبل أن يردوا بنظراتهم التي بدت لي معاتبة وهي تعتلي أجسامهم الواهنة بفعل المواد الطيارة التي يتعاطونها. قذفني الخوف بعيداً وبدا أخذ أية معلومة ضربا من الخيال.. في «كوشة» السوق الشعبي أم درمان الوافرة بصنوف بقايا الأكل أو كما يسمونها هم (الكرتة) كان هناك طفلان في الثامنة أو العاشرة من العمر تقريباً اقتربت منهما كأنني أرمي شيئاً في القمامة. بدأت أتجاذب معهما أطراف الحديث وأسألهما عن اسميهما وهل وجدا طعاما وماذا أكلا؟ وأين أسرتيهما؟ ومنذ متى لم يتناولا طعاماً؟ كانت إجاباتهما أصوات لغوية دون أن يبادلاني أية نظرة كأنهما منهكمان في عمل وأنا أقول قولاً فارغاً لا يعنيهما.. أخذت نفساً عميقاً وأدركت أن الأمر أصعب من أن يدرك بالملاحظة العادية وأن سبر أغوارهم يحتاج إلى معايشة وكسب ثقة عالية من جانبهم دون ذلك عالمهم جدار عصي على الاختراق.
{ نظام اجتماعي دقيق
في دراسة لمركز دراسات المجتمع تحصلت عليها (الأهرام اليوم) كشف (الممبي محمد صالح) الذي عاش وسط المشردين لمدة ثلاثة أشهر من الساعة الثامنة صباحاً إلى الحادية عشرة مساءً، أن للمشردين مجتمعا يضبطه هيكل إداري وحدود جغرافية ونظام معقد ودقيق إلى أبعد الحدود ويفي بحاجات المجموعة تماماً.. وأوضح أن الهيكل الإداري يتألف من المعلم وهو شخص على قمة النظام ويطلقون عليه المأجور، وهو ذو سلطات مطلقة ويحمي المجموعة وهو الذي يوجه ويوقع العقوبات ويوقفها ويقرر فصل الأعضاء وضم أي عضو بلا مبررات وهو يختار العالم الذي تدخله الشلة وهو الذي يختار الطعام الذي تجلب منه (الكرتة) وبقايا الطعام كما أنه المسؤول عن توزيع «المخدرات والسلسيون» على المجموعة ويضيف الممبي: يأتي بعده رأس الهوس، يتبع مباشرة للمعلم وهو الشخص المنوط به الإشراف على تنفيذ أية مهمة يأمر بها المأجور.. كتنفيذ السرقات الكبرى وتوزيع النشالين وأيضاً هو الشخص المكلف بتوزيع الأعباء الإدارية.. كحراسة مواقع المجموعة.. وهو الذي يتحدى المجموعات الأخرى ويقود ضدها المعارك ويتبع إليه أفراد الجوكية كما تتبع إليه مجموعة صغار السن ويسميهم «السواسيو» ومجموعة الجدد ويطلق عليهم الفارات. وبعد هذا تقع عليه مهمة إجراء الاختبار والامتحان، للذين يودون الانضمام إلى المجموعة، تحت إشراف المعلم. أوضح الممبي في دراسته أن هناك نظام اتصال يعرف بتلفون الدلاقين وهو يتبع للمعلم مباشرة مهمته نقل الأخبار الداخلية والخارجية التي تتطلب أن يأخذ فيها المعلم قرارات وتتبع له مجموعة تساعده في مهامه تتكون من ثلاثة أو أربعة أشخاص. والمعلومات الخارجية هي حملات الشرطة وأخبار المجموعات الأخرى وما ارتكبته من سرقات وما لاقته من مشاكل أو أي شخص انضم إلى المجموعة أو خرج منها، والأخبار الداخلية تتمثل في الأعمال التي قامت بها المجموعة وحصيلتها من السرقات وأيهم ضبط بواسطة الشرطة وأيهم نجا، وكم حصيلتهم من التسول، بجانب «الأفندي» وهو مشرد جزئياً يقيم مع أهله ليلاً وينضم إلى المجموعة نهاراً وتنحصر مهمته في تسلم المسروقات من «رأس الهوس» وبيعها وجمع حصيلة المسروقات وتسليمها للمأجور الذي يعطيه منها ما تيسر. وهو عكس مجموعة المشردين الأخرى لا بد أن يكون مهندماً وذا شكل محترم، حتى لا يتطرق إليه الشك وأن يحمل شنطة أو راديو. ويصف محمد صالح الجوكية وهي مجموعة من الأفراد مفردها جوكي هم صلب المجموعة وتقع عليها الأعباء التنفيذية كالسرقات، والنشل والقيام بالمعارك ضد المجموعات الأخرى، وهي التي تجلب الغذاء وتقوم بالسمر وتقلد أبطال السينما وتمارس الرقص وتتلقى أوامرها من «رأس الهوس» وأحياناً من المعلم مباشرة عند التخطيط لعملية سرقة كبرى، وأورد «السواسيو» ضمن الهيكل الإداري للمشردين وهؤلاء هم صغار السن ويقبلهم المعلم من باب الإحسان وليست لهم أية مهمة فقط جمع أعقاب السجائر وبعض المعلمين يستغلونهم في التسول وهم محل إحسان المعلم والمعلم المحترم هو الذي لديه كمية من «السواسيو» يحسن إليهم ويقومون بتقليد كبار الفنانين، أما الفارات بحسب الممبي فهي مجموعة تتبع لرأس الهوس وخبرتها في التشرد قليلة جداً ومهمتها حراسة الموقع والتبليغ لرأس الهوس. وقال الممبي: كان هذ النظام السائد ولكن السلطات حاولت هد أركانه لذا لم يعد بنفس الدقة وإن احتفظ ببقية باقية منه.
{ دم الإخوان
ووصفت الدراسة أن أقسى وأفظع الشرائع والقوانين وضعها المشردون بأنفسهم وطبقوها على أنفسهم وهو قانون غير مكتوب لكنه قانون عرفي عرّف الجرائم ووضع لها العقوبات وهم يعرفونها ويطبقونها جيداً، ولا أحد يحتج عليها حتى الجاني يرضاها لنفسه ويصف الجريمة ويضع لها العقاب ومن أهم الجرائم في عرف المشردين جريمة الخيانة وجريمة الاعتراف وجريمة الخطأ وجريمة التمرد، إنها أربع جرائم ولها أربع عقوبات وجريمة الخيانة وتعرف ب (شراب دم الإخوان) هي أن يخون أحد الأفراد مجموعته والخيانة بالأكل خارج المجموعة ليست جريمة وتعد شطارة وفهلوة وذكاء ويثاب عليها، بل الخيانة هي أن يحصل أحدهم على مبلغ مالي فينقص بعضه أو يحصل على شيء ذي قيمة ولا يخبر به المجموعة وهذه الجريمة غالباً ما يرتكبها الجوكية في إخفاء بعض حصيلة السرقات. وأحياناً يرتكبها «السواسيو» في إخفاء حصيلة التسول أو بعضها ويسمى شراب دم الإخوان وعقوبتها (الزجاجة) وتتمثل في ضرب المدان بزجاجة فارغة على رأسه ورجليه حتى تتكسر الزجاجة ويطبقها أي فرد له عداء أو حساسية مع المدان.. ويساعد في المهمة «تلفون دلاقين» وإن لم يظهر أعداء يطبقها المعلم ويقول المعلم أنت ارتكبت كذا أو أخفيت كذا، فأنت شربت دم إخوانك لذا حكمت عليك بأربع زجاجات، ويذكرون التهم السابقة له والشبهات لتزداد العقوبة ومجموعة تجلب الزجاج من صناديق القمامة ومجموعة أخرى تحضر الدواء من بيوت «أبو الزنبور» تحضر اللفافات للتضميد وتوقع العقوبة على جسد الجاني لا يهم أين تقع ظهره رجله وجهه رأسه حسب حقد الشخص المنفذ وهم يمارسون هذه العقوبة بشهوة غريبة ويقلدون أنات المعاقب وآهاته وصرخاته ويضحكون إلى أن يفرغوا من العقوبة. ومن الجرائم التي يشرحها الممبي جريمة الاعتراف وخيانة الإخوان وتتمثل هذه الجريمة في اعتراف المشرد تحت ضغط الشرطة أو أية جماعة وإذا اعترف بأنه ارتكب الجريمة لوحده فلا شيء عليه أما إذا ذكر معه أحد الجوكية فعقوبته الزجاجة، أما إذا ذكر المعلم أو رأس الهوس فعقوبته «الصف» والعقوبة تعني ممارسة سوء قوم لوط وهي عقوبة نفسية وبدنية قاسية ووصفها الباحث الممبي بأنها تبين كيف يصل الإنسان إلى مدارك أسفل السافلين، عندما لا يجد التوجيه السليم.
وتعد العقوبة سياجا قويا يضعه المعلم حماية لنفسه حتى لا يقع في أيدي أجهزة الضبط الشرطية أو القضائية. بعد الحكم على المدان يختار رأس الهوس العدد الذي يقوم بتنفيذ العقوبة وربما يقوم المعلم بارتكاب الفاحشة بنفسه ويتتابع الباقون ولا تقف العقوبة عند هذا الحد ولكن يسمى صاحبها «ناو» أي أنه عنصر شاذ سلبي تلازمه هذه السوأة مدى حياته ويتحول بفعل العادة إلى شخص غير طبيعي.
أما جريمة التمرد وتسمى « شيل الضو» فتعني عدم تنفيذ أوامر المعلم أو التمرد على تعليماته وعدم طاعته والعقوبة تعني أن هذا الشخص منبوذ وسط المشردين ووسط المجموعة ويكلف تلفون الدلاقين بنقل معلومة العقوبة إلى بقية المجموعات فيصبح الشخص عرضة للضرب، والأذى من كافة أفراد المجموعة طاعة للمعلم أو تلذذاً بالأذى.. ويظل تلفون الدلاقين في كل مجموعة متابعاً له يسرد أخباره ويبلغها للآخرين ولا مخرج من هذه العقوبة إلا بواحدة من أربع إما أن يرجع إلى ذويه ويترك حياة التشرد نهائياً أو يصاب بالجنون أو يعتذر للمعلم ونادراً ما يقبل عذره والرابعة هي هبة السماء التي تتدخل بإيقاع فتنة بين مجموعة ومجموعة أخرى فتقبله خوفاً من أن ينضم إلى المجموعة الأخرى أو تقبله المجموعة الأخرى نكاية بمجموعته.
والجريمة الرابعة في قانون المشردين حسب الدراسة هي الخطأ و«الدقسة» هي أن يرتكب المشرد خطأ في أداء مهمته وهي تقع من أعضاء المجموعة ومن أي فرد مشرد من خارج المجموعة يرتكب خطأ في حق مجموعته بدخول حدودها الجغرافية دون إذنها أو التجسس عليها وعقوبتها التصليب وهي أخف عقوبة تتمثل في حلاقة صليب على رأس الشخص مع ترك بقية الشعر، وتوقع على من يرتكب جريمة «الدقسة» وإذا رأيت أحد المشردين معتوهاً فاعلم أنه ربما طبقت عليه عقوبة «شيل الضو» وإذا رأيت أحدهم يحمل لفافات فاعلم أنه طبقت عليه عقوبة الزجاجة، وإذا لمحت أحدهم أصلع الرأس فاعلم أنه دقس. لقد اندثر هذا القانون بفعل شرطة النظام العام والمتطوعين والباحثين.
وتلاحظ (الأهرام اليوم) مع تزايد أعداد المشردين ربما يكون هذا نظام الآن أكثر إحكاماً.
{ دار الرشاد
«الأهرام اليوم» داخل دار الرشاد لرعاية المشردين شرق المدينة الرياضية لاحظت اتساع الدار وهي تبدو خالية من المشردين إذ تحوي فقط 32 مشرداً في الوقت الذي تتسع فيه ل 250 شخصا بينما الشوارع والطرقات تكتظ بهم وعزا مدير الدار الأستاذ وحيد الدين ذلك إلى عدم تهيئة الدار لأن إيواءها للمشردين الكبار من عصابة «النقرز» إبان فترة الانتخابات قد أحدث دمارا في البنى التحتية ولذا هي في الوقت الراهن لا يمكنها استقبال المشردين إضافة إلى الطريقة المتبعة في إيصالهم إلى الدار لأن ذلك لا يتم إلا بواسطة عملية إقناع مطولة يقوم بها معلم الشارع وهو دائماً باحث في المجال الاجتماعي النفسي وقال إن معظم الذين يتم اقتيادهم إكراهاً يهربون ويعودون إلى الشارع ووجه إلى ضرورة زيادة معلمي الشارع.
{ الوحدة الصحية
بينما لاحظت «الأهرام اليوم» تردي الوضع الصحي داخل الوحدة الصحية إذ أن أرضيتها ترابية وعبارة عن عنبر قسم إلى وحدة صغيرة ومكتب الطبيب ينقصه التجهيز وهذا ينطبق على الصيدلية التي تعاني شحا في أدوية السكري والضغط وخزانة الدواء بلا تكييف ويوجد جهاز «مكيف موية» وهو لا يناسب عمليات حفظ الأدوية وممنوع بتوجيهات الشركات المصنعة مما قد يتسبب في إتلافها بسوء التخزين ويؤثر على مدة صلاحية الأدوية الأخرى، وكذلك الحال ينطبق على المعمل الذي شيد حديثاً.. وأثناء تجوال «الأهرام اليوم» التقت بالأطفال المشردين الذين يقطنون الدار منذ ثلاثة شهور لم يقوموا بزيارة أسرهم بسبب تعطل الحافلة الوحيدة منذ شهر أغسطس الماضي وقال مدير الدار هذا أخر كثيراً عملية «لم الشمل» والمتابعة مع الأسر في وقت كشفت مصادر «الأهرام اليوم» أن ميزانية تسيير العاملين بالدار «500» جنيه في الشهر ووصلت 250 وإلى 125 جنيها إلى أن تلاشت تماماً.
{ مناشط
كما لاحظت «الأهرام اليوم» أن الأطفال ينخرطون في نشاطات متباينة إلا أن ذلك لا يمسح مسحة البؤس والقلق الذي يكسو ملامحهم.. وقالت إحدى المشرفات معظم الأطفال يتعرضون للاغتصاب عند وصولهم الشارع حتى يسهل استغلالهم من كبار المشردين لأغراض السرقة أو أي أغراض غير إنسانية أخرى وقال مدير دار الرشاد ل (الأهرام اليوم) إن حالات العودة إلى الشارع غير مخيفة قد تصل في الأسبوع إلى (4-5) وأحياناً يعودون بطوعهم إلى الدار وقال لا نتبع معهم العنف أبداً ودعا وحيد الدين إلى تضافر الجهود ما بين وزارة التربية والتعليم والرعاية الاجتماعية مشيراً إلى أن نظام التعليم بهذا الوضع غير فعال ويساعد على تسرب الطلاب من المدارس ربما يلجأون إلى الشارع وغالباً ما يحدث هذا وقال إن عدم فعالية اللجان الشعبية أسهم في المشكلة إذ لا تقوم بدورها تجاه الأسر ومساءلة الآباء في حالة خروج أطفالهم وانحصار عملها في شهادات السكن وشكا من عدم تفعيل قانون الطفولة وقال لا يوجد حل كامل إلا في اجتثاث الفقر من جذوره بالنسبة للأسر عبر تمليكها مشاريع إنتاجية بالشراكة إذ ثبت في حالة تمليك الفرد مشروع عربة أو ركشة يقوم ببيعها ويرجع إلى الفقر مرة أخرى.
وأضاف مدير دار التأهيل رشاد، أنه في حالة عدم إصلاح التعليم داخل المؤسسة التعليمية وتأهيل المعلمين تظل عملية التشرد في ازدياد ودعا إلى الحد من أندية المشاهدة التي تعرض كثير منها العروض الفاضحة وبها كثير من الموبقات فلا بد من تشديد الرقابة عليها وأبدى أسفه للموت الجماعي لمجموعات المشردين التي نفذها ضعاف النفوس الذين أزهقوا أرواحا مقابل مبلغ لا يتعدى (500) قرش وأبدى بعض المهتمين بأمر المشردين استياءهم من تصريحات رئيس اللجنة الاجتماعية بالمجلس الوطني أن هناك من اعتدى على أموال المشردين متسائلين هل للمشردين أموال ومن خصص لهم أموالا وميزانية وعند من؟
{ حالات مرضية
من جانبه قال الدكتور ياسين يوسف محمد يوسف مدير الوحدة العلاجية بدار الرشاد إن معظم الأمراض التي تصيب المشردين هي الأمراض العادية مثل الملاريا ونزلات البرد وأبدى تخوفه من مرض البلهارسيا الذي يسبب تليفا حتى بعد علاجه وقال إن أكثر الأمراض المنتشرة هي الأمراض الجلدية يكاد معظمهم يكون مصابا بها بسبب البيئات التي يعيشون فيها مشيراً إلى أن أكثر المشاكل التي تواجههم هي مشكلة التحويلات إلى بعض المستشفيات إذ لا تستقبلهم في الوقت الذي تكون فيه الحالة طارئة ومتأخرة جداً وذكر مصدر طبي داخل دار الرشاد متأسفاً على حالة أحد المشردين في السابعة والثلاثين من عمره حدث له كسر في رجله وركبت له مسطرة وحدث له التهاب حاد جداً ويحتاج إلى مضادات حيوية مضطردة وبقاء بالمستشفى لكن رفض أحد المستشفيات الخرطومية علاجه ووصلت رجله إلى حالة البتر وقال جلس المريض على هذا الكرسي وبكى بكاءً مراً ومن جانبه أكد يوسف تردد الحالات في هذه الأيام ليس بالأعداد الكبيرة ولكن في فترة إيواء كبار المشردين كانت تصل إلى مائة حالة في اليوم ومن بينهم اكتشفنا (23) حالة إصابة بفيروس الأيدز.
وذكرت مصادر (الأهرام اليوم) أن الدار آوت في فترة (1000) مشرد من عصابات النقرز بعضهم انضم إلى الشرطة والجيش والغالبية رجعت إلى الشارع.
{ مشردون لكنهم مبدعون
وروت الباحثة الاجتماعية بدار الرشاد عائشة ل(الأهرام اليوم) حول لجوء المشردين لأعمال الرسم قالت هو نوع من التفريغ لأنهم لا يجيدون الكتابة ولا يجدون شخصا يتحدثون معه وقالت أكثر ما يؤلمها تعرضهم للاغتصاب في الشارع ومن المشاهد المؤسفة وجدت فتاة في ال 14 أو ال16 من عمرها تحمل طفلة رضيعة وعندما تبكي الرضيعة تضع لها قطعة القماش المشبعة بالمواد الطيارة على فمها وتضع واحدة على فمها هي الأخرى وأكدت أن أسر بعض المشردين متعلمة وقالت البعض يبكون حينما نرد إليهم طفلهم والبعض يرفض استقباله وأوضحت أن المشكلة تكمن في حالة الإنجاب، الأسر قد تقبل ابنها أو ابنتها لكن قطعاً لا تقبل طفلا جديدا.
{ للمجلس الوطني كلمة
قال محمد أحمد ود الفضلي بوصفه عضو المجلس الوطني إن لجنة الرعاية الاجتماعية والخدمات لم تجتمع بعد وقال في مقبل الأيام سوف نعقد ورشا تضم الجهات ذات الصلة والمختصين لإيجاد حلول للظاهرة ولم ينف أن هناك تزايداً في حالاتهم وقال إنهم مهدد اجتماعي ولا يمكن القضاء عليه إلا عن طريق وقف أسباب المشكلة التي تتمثل في الحروب والنزوح وقال لا ندخر جهداً في محاولة لإيجاد الحلول الجذرية لها.
{ قانون الطفولة
تنص المادة (23) من قانون الطفولة للعام 2010م على أن تشرد الأطفال يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون وأكد أن على الجهات المختصة في حالة العثور على طفل مشرد تسليمه إلى من تتوفر فيه الضمانات الأخلاقية لرعايته وفق الترتيب التالي: «أ» أبواه أو أحدهما. «ب» من له ولاية أو وصاية عليه. (ج) أحد أفراد أسرته أو أقاربه. (د) أسرة كافلة تتعهد برعايته وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية أو أعراف غير المسلمين حسب الحال أو جهة رسمية مختصة برعاية الأطفال والرعاية البديلة.
25(1) تقدم الرعاية البديلة للأطفال الذين يعانون من ظروف أسرية صعبة حالت دون نشأتهم في أسرهم الطبيعية أو إعادتهم وفق الترتيب التالي: «أ» أقاربهم الأم أو الأب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.