بالرغم من القوانين والمساعي على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية لوضع حد لعمالة الاطفال ومعاناة التشرد الجزئي والكلي ونتائجها الوخيمة على المجتمع وعلى الطفل , إلا ان ظاهرة تسرب الاطفال من المدارس واقتحامهم للاسواق من اجل العمل (لا يهم أية مهنة يمتهنها..) فقط يريد المال لارضاء اسرته او رغباته) وهو ما يسمى بالتشرد الجزئي - باتت تتمدد على نحو وصفه المراقبون والمهتمون بالخطير جدا , وقبل عامين سجلت محاضر وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي بولاية الخرطوم رقما كبيرا حيث بلغ عدد المتشردين بشكل جزئي وينضوي تحت التسمية ( الاطفال العاملين بالسوق – والمتشردين – والمتسربين من المدارس ) ويقضي هؤلاء الأطفال جل وقتهم خارج المنزل وبعيدا عن الأسرة والرقابة والتربية والتوعية - بلغ عددهم (7) آلاف طفل , في الوقت الذي لم يتجاوز عدد الاطفال المشردين كليا (3) آلاف طفل –(الرأي العام ) فتحت ملف الاطفال المشردين جزئيا وكليا بعد تنامي الظاهرة وتحذيرات المهتمين والمتابعين لمعرفة حجم المشكلة , ومعرفة نتائجها وتوابعها ومدى فائدة برنامج الدولة لاحتواء شريحة الاطفال المشردين جزئيا بالجلوس إلى الأمين العام لمجلس رعاية الطفولة بولاية الخرطوم والمهتمين بهذه الشريحة . التشرد الجزئي اذا تحدث احدهم عن التشرد يقفز إلى الذهن حالة الحرب والأوضاع الأمنية والاقتصادية و العوامل التي تدفع الأطفال إلى البحث عن كيان يعوضهم عن العائلة بعد هروبهم أو مقتلهم في حرب أو نتيجة للظروف الاقتصادية , وفي بعض الاحيان للعنف الأسري , ولكن برزت ظاهرة ليست اقل خطورة من ظاهرة التشرد الكلي التي تقف وراءها الحرب والاقتصاد , بل قد تكون اخطر منها بمراحل كما أنها لا تقتصر على أبناء الفقراء أو الايتام , كما قال الاستاذ ابو سفيان عبد الكريم الشيخ المدير السابق لمركز الرشاد لإيواء المشردين ومدير مؤسسة سواسية للتنمية الاجتماعية , والذي قال ان التشرد لم يعد مقتصرا على الطفل أو الشخص الذي يفقد والديه ويلجأ إلى الشارع بل أصبح في اطار تعريفه الاطفال الذين يتسكعون بعد تسربهم من المدارس في الأسواق ويمتهنون أعمالا لا تليق بأعمارهم سلوكيا او بدنيا بالرغم من معرفة ذويهم بذلك , وأردف بقوله : إن هذا النوع من التشرد اخطر من التشرد الكلي ونتائجه وخيمة جدا , بحيث يختلط هؤلاء بتجار المخدرات والجنس وعصابات السرقات , واضاف ان الاسرة في غالب الأحيان تشجع أطفالها على ترك المدارس وولوج السوق بحجة ان لا فائدة للمدرسة حسب فهمهم , واردف بانه في ذات يوم كان يجري دراسة ميدانية على الأطفال المتسربين والمشردين جزئيا ووجد طفلا في التاسعة من عمره مع رجل كبير او كهل يحملان بضاعة يتجولان بها في السوق فسألت الرجل عن الطفل فقال انه ابنه واستفسره عن سبب تجواله بالرغم من استئناف العام الدراسي فقال انه ترك المدرسة لانها لا فائدة منها وعرفت من الطفل بان والده يتركه مع اشخاص يكبرونه بعشرات السنوات في (ميز السوق ). اصابتني حسرة عميقة .. كيف يستقيم الابن اذا كان والده بهذا الفهم .. كيف يتركه مع أشخاص كبار بالغين وهو ما زال في التاسعة , إذا سلمنا جدلا بأنه قد يسلم من اعتداء أو ممارسة غير حميدة , فانه بلا شك سيترعرع في بيئة غير بيئته ( بيئة مخدرات أو سرقات وقد تقوده الظروف الاجتماعية التي تحيط به إلى أن يكون مجرما خطيرا أو مدمنا للمخدرات أو لصا محترفا ), ولهذا اعتقد أن هذا النوع من التشرد قد يتيح للطفل مرافقة من يراه مناسبا إذا كان والده غير رقيب عليه , وقال أبو سفيان إن عدد الأطفال المتسربين من المدارس ويعملون في السوق باعة جائلين بلغوا رقما مخيفا وأشار إلى أنهم من مناطق بعينها مثل قرى شرق النيل بها حالات تشرد كثيفة جدا (هؤلاء الأطفال يعملون في الشوارع والمدارس مفتوحة , وهذه الفئة خطيرة جدا ) ومن المفترض أن تكون هناك دراسة لحالاتهم , وإذا كان السبب الوضع المعيشي يجب تفعيل برنامج التمويل الأصغر ولكنه أردف قائلا : غير أن المشكلة أن المجتمعات الفقيرة لا تعرف شيئا عن التمويل الأصغر. والى جانب قرى النيل الأبيض وقرى الجزيرة , في الماضي كانت مناطق بعينها هي التي تنتج المتشردين , ولكن الآن أصبحت كل المناطق قابلة ومهيأة لإنتاج المشردين , ومن مسبباتها التسرب من التعليم والذي يعتبر من اخطر القضايا التي تجابه المجتمع والتشرد الجزئي ظاهرة خطيرة ونحن بقدر الإمكان نريد أن يبقى الأطفال داخل سور المدرسة , التسرب بات خطيرا ورصدنا خلال دراستنا حالات لتلاميذ يتسربون وقال إن هؤلاء يتركون أسرهم ويدخلون السوق وأعرب عن خوفه من تفاقم هذه الظاهرة إذا لم تتدخل الدولة لمعالجتها فورا بواسطة قوانين رادعة للأسرة والطفل .وارجع أبو سفيان بعض الأسباب التي دفعت التلاميذ إلى التسرب ,إما لوجود عنصر داخل المدرسة وقال (الطفل أحيانا يكره المدرسة مع انو عندو رغبة في التعليم و لكن هناك بعض العناصر تجعل المدرسة منفرة للطفل )وهذه العناصر قد تكون المعلم أو قد تكون بيئة الفصل أو يكون زملاؤه التلاميذ الذين يمارسون العنف مع بعضهم والضعاف يخافون منهم وبالتالي يرفضون الذهاب إلى المدرسة لذا عملية دمج المرحلة المتوسطة مع الابتدائي اغفلت جانب الفوارق العمرية التي يمكنها أن تجعل الطفل الصغير غير راغب للدراسة للأسباب الآنفة الذكر ,كما أن هنالك أسباباً تدفع التلميذ إلى التسرب وقد تكون داخل البيت وهو عدم توفير احتياجات الطفل للمدرسة مثل الأدوات المدرسية مثل أقرانه , ترك الحبل على الغارب الأستاذ إبراهيم الطاهر إدريس موجه تربوي سابق بوزارة التربية والتعليم قال إن التسرب ليس ظاهرة جديدة بل ظاهرة منذ ظهور المدارس في السودان ولكن الظاهرة تمددت بل اتخذت أبعادا خطيرة مثل التشرد والعمالة , وعمالة الاطفال في سن صغيرة قد تنشئ جيلا فضلا عن الفاقد التربوي الذي يخلق جيلا وكأنه جرثومة خطيرة على جسم المجتمع ينخر عظمه ، وأضاف أن سبب التسرب والتشرد الجزئي وراءه الاسرة التي تركت الحبل على الغارب ولم تعد تسأل عن أطفالها وهل يواظبون على الذهاب إلى المدرسة وماذا فعلوا بعد اليوم الدراسي هل عادوا مبكرا ومراجعة الواجبات المدرسية ؟ وللاسف هذا هو الواقع الذي يحتاج إلى إستراتيجية لإنقاذه من الضياع , وتساءل ابراهيم عن دور الدولة في القضاء على هذه الظاهرة. دور الدولة حملنا أوراقنا وتوجهنا إلى مجلس رعاية الطفولة بولاية الخرطوم وجلسنا إلى الدكتورة منى مصطفى خوجلي الأمين العام لمجلس رعاية الطفولة بالولاية د. منى ابتدرت حديثها بحجم التشرد الجزئي بالولاية بقولها : قبل عامين تم رصد إحصائية للمتشردين الذين نطلق عليهم (التشرد الجزئي) وكان عدد الأطفال (7) آلاف طفل وفي الحقيقة هذا العدد يمثل قفزة سالبة للظاهرة في السودان , ولكن نحن في مجلس رعاية الطفولة بولاية الخرطوم ادركنا حجم المخاطر التي يمكن ان تنتجها هذه الظاهرة وقامت وزارة التوجيه والتنمية الاجتماعية بالولاية بانشاء (23) مركزا باسم مراكز اصدقاء الاطفال المشردين جزئيا في كل محليات ولاية الخرطوم وكان ذلك في العام 2004م والهدف من انشاء هذه المراكز جذب الاطفال المشردين والذين تسربوا والعمالة الصغيرة في الاسواق بتوفير معينات لتعويض سنوات الحرمان من التعليم بمناهج بديلة بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم التي وفرت المنهج البديل ، وأشارت إلى أن هذه المراكز تحتوي الطفل لمدة ساعات فقط لتلقي الدراسة مع جرعات للتقويم النفسي بواسطة باحثين اجتماعيين الذين يقومون بادوار كبيرة في إعادة تأهيل هؤلاء بتحسين بيئة المراكز والتثقيف للاطفال واسرهم, كما ان هناك معلمين مؤهلين ومدربين على المنهج البديل للمشردين , واعربت د. منى عن دهشتها من الاهمال غير العادي من الأسر لأطفالها وقالت : استغرب من بعض الاسر المقتدرة التي تدفع أطفالها إلى ترك المدرسة للعمل في الاسواق او الزراعة , وقالت ان نسبة الوعي في بعض المجتمعات ما زالت ضعيفة وتحتاج إلى عمل مكثف لرفعها .