{ أعاود بعد انقطاع بسبب المساحة الاجتماعية ليوم الخميس ومتفرقات الجمعة وسوف أعود يوماً وأغيب عن الذي يليه حتى أكمل مشاهدات رحلتي إلى تركيا وأخلص إلى الأفكار الكبيرة التي خرجت بها وفي حلقة اليوم أصطحب معي قراء الزاوية إلى أكبر وأفخم القصور في تركيا وربما العالم بأجمعه وبالذات في الفترة التى شيّد فيها وهوقصر (دولما باهتشه) وتعني هذه العبارة من اللغة التركية (الحديقة المحشوة) وفي ذلك إشارة إلى الجزء من خليج البيسفور بعد أن تم ردمه وتشييد القصر فيه وهي نفس المنطقة التى أنزل عليها السلطان محمد الفاتح سفنه لفتح القسطنطينية (استانبول) في القرن الخامس عشر الميلادي. { السلطان عبدالمجيد هو من شيّد هذا القصر وقد تم بناؤه في الفترة من 1843م إلى 1856م في مساحة (14,595) متراً مربعاً ويتكون من (285) غرفة و(44) صالون و(68) مرحاضاً وستة حمامات تركية وينقسم المبنى الرئيسي إلى ثلاثة أقسام رئيسية ، القسم الأول يقال له (السلاملك) وفيه تدار شؤون الحكم والدولة ويضم مكتب السلطان ومكتب السكرتير (الكاتب) وعدداً من الصالات أبرزها تلك التي ينتظر فيها السفراء قبل لقائهم بالسلطان في صالة أخرى وكل هذه الصالات مزخرفة بالذهب الخالص ويقدر وزن الذهب الذي استخدم في القصر ب (14) طناً، كما أن الكثير من الممرات والسلالم استخدم فيها الكريستال وإلى الداخل من قسم (السلاملك) توجد قاعة ضخمة مخصصة للاحتفالات وبالذات في الأعياد ومقابلات كبار مسؤولي الدولة وهي ذات الصالة التي وضع فيها جثمان كمال أتاتورك لإلقاء النظرة الأخيرة عليه من قبل الأتراك وفي هذه القاعة تتدلى نجفة ضخمة من الكريستال تزن أربعة أطنان ونصف الطن وبها مجلس كبير لنساء القصر (زوجة السلطان ووالدته) شرفة أعلى القاعة تمكنهن من متابعة الفعاليات ورؤية السلطان الذي بدوره يتمكن من رؤيتهن وهنا لا بد أن نشير إلى أنه وفي الأعياد لا تبدأ المعايدة إلا بعد أن تصل والدة السلطان ويتمكن هو من رؤيتها ومعايدتها وتبادل النظرات والابتسامات معها ومن ثم يشرع في تلقي التهاني من الوزراء والمسؤولين ويلي هذه القاعة القسم الثالث وهو قسم الحريم ويضم عدداً من غرف النوم وقد رأيت غرفة نوم كمال أتاتورك والتي بقيت على حالها وهناك غرفة والدة السلطان وصالات لحريم القصر وأخرى للطعام والموسيقى وبهذا القسم أيضاً مكتبة ضخمة تعود إلى الخليفة عبدالمجيد وتضم كتباً بمختلف اللغات وقد كان هذا الخليفة شغوفاً بالمطالعة وبالقسم أيضاً صالات للطعام ومطابخ تمكنا من مشاهدة الأواني التي تضم (ملاعق) وكأسات من الذهب والكريستال وبتشكيلات مختلفة . { بالقصر وفي عدد من الممرات والمداخل والقاعات الكثير من الهدايا التي قدمها ملوك وسلاطين وحكام من مختلف أنحاء المعمورة وهي هدايا جميلة تكشف عن تطور صناعة ومعالجة مثل هذه الجماليات منها جلدان ورأس للدب الروسي قدمت هدية للسلطان من قبل قياصرة روسيا وهناك أناتيك ونحوت وثريات (النجف) والسجاد الذي صمم ونفذ بمساحات كبيرة ونادرة كما توجد لوحات زيتية وقد كان الهدف من بناء هذا القصر هو إبراز قوة الدولة العثمانية التي كانت تتهم بالضعف والفقر وقد أراد السلطان عبدالمجيد أن يظهر قوتها وثراءها ولذلك زخرفت كافة الجدران بالذهب والسلالم بالكريستال. { للقصر مخرجان للسلطان أحدهما يطل على خليج البيسفور حيث يوجد مرسى والمخرج الآخر في اتجاه المدينة والبر ويرتبط بطرق مسفلتة وقد سكن هذا القصر ستة من السلاطين العثمانيين وهم على التوالي؛ السلطان عبدالمجيد (1839م 1856م) ولا يفوتني أن أذكر أن هذا السلطان له مواهب أخرى منها الرسم وقد شاهدنا لوحة لزوجته قام برسمها يطالعها كل زائر إلى هذا القصر بجانب لوحات أخرى رسمها رسامون عالميون وقدموها هدية للسلاطين العثمانيين ومن ثم سكن بالقصر السلطان عبدالعزيز (1861م 1876م) ثم السلطان مراد الخامس (1876م) وأعقبه السلطان عبدالحميد الثاني (1876م 1909م) وهذا هو السلطان الذي تدعو له بعض مساجدنا بالنصر ومن بعد ذلك السلطان محمد رشاد الخامس (1909م 1918م) ثم السلطان محمد وحيد الدين السادس بالإضافة إلى الخليفة العثماني الأخير عبد المجيد أفندي (1922م 1924م) وهذا الخليفة هو صاحب المكتبة التى أشرنا إليها. { عموماً لا بد لكل زائر لإستانبول من زيارة هذا القصر وأن يحرص الزائر على اصطحاب مرشد سياحي لأن الشرح الذي سيقدمه له سيكون رائعاً ويجعله يستمتع بزيارته ويعرف ما هو خلف كل هذا الجمال والثراء الفاحش وإلى اللقاء في حلقة الثلاثاء القادم بإذن الله.