صعوبة نقل المتعة إلى كلمات واضحة تبدو ماثلة حينما أحاول تأويل موسيقى (الثلاثي جبران) الفرقة المعروفة للإخوة (سمير، وسام، عدنان) أبناء (حاتم جبران) الجيل الرابع لأسرة فلسطينية تمتهن صناعة العود العربي. حضروا لأول مرة إلى الخرطوم الخميس الماضي وحصلوا على أول ترخيص لفرقة غير محلية لإقامة حفل موسيقي.. حسناً، ها قد تورطت في نقل الإحداثيات لمعادلة إخوة من أب وأم ولحن دم، آمنوا بالعود الذي يعبرون عنه (هو أخٌ تربى معنا في بيت ومطبخ واحد!) وصنعوا فرقة تعزف على العود موسيقى شرقية طار بها عقل العالم والزمان والمكان. مكانة العود المستعادة عقب ثورة إحيائه منذ ما يقارب العشر سنوات أو يزيد، زادت من طفوه على سطح الموسيقى الحيّة، ويعلن كافة (العوّادة) امتنانهم للعوّاد (منير بشير) الذي منح العود قيمته بالعزف على مسرح دون الارتباط بفنان يغني. وزاد الإخوة (جبران)، بأنهم امتلكوا الحرفة والموهبة والمهنية والخبرة التي قوتها مرافقتهم آخر ثلاثة عشر عاماً من حياة (محمود درويش) الاسم الآخر لفلسطين، فحققوا بالموسيقى والإيمان بالعود ما لن تستطيع الدبلوماسية السياسية تحقيقه. وحقيقة قدرتهم على استنطاق الغرب لجملة (الأراضي المحتلة) في وقت كانت فيه ممنوعة في الإذاعات المسموعة والمرئية جعلت منهم فرقة فريدة لا مثيل لها. وهذا ما أكدوه هم في المؤتمر الصحفي الذي أقيم عصر الجمعة الماضي بفندق السلام روتانا المساهم مع مجموعة (دال) في حضورهم، قائلاً الأخ الأكبر (سمير) - بلهجة شامية محببة -: (إمكن يكون في عازفين أمهر منّا لكن حنّا ما في منّا، إخوان تجمعنا جينات ت الموسيقى). تسندها حقيقة حصولهم على أرفع الجوائز العالمية - رشحت موسيقاهم لفئة أفضل موسيقى للأوسكار- جائزة (المهر العربي) مهرجان دبي السينمائي، وللمرة الثانية عن موسيقى فيلم (الجمعة الأخيرة)، تجعل حضورهم إلى الخرطوم مجازاً قابلا للضم على حقيقة أننا أصحاب ذوق رفيع لا جدال. و(دال) تشتري ولاء الناس بمسؤوليتها المجتمعية التي استشرت بين الشركات سلاماً وثقافة، جعلنا نتجرأ بذكر أسماء الشركات بلا خوف من وصمة المحاباة والاسترزاق التي تجعل أضخم عود صحفي ينشق! والمنتدى الثقافي الذي يحاول أن يرصع سماوات الخرطوم مجتمعاً ومسرحا بأفضل النجوم كما هم الثلاثي (جبران) كسباً معنوياً على أرقى حالاته، دون التناسي لدور الثقافة السودانية الملهمة، فكانت وصلة العازف الشاب والفنان (عوض أحمودي) مشاركاً مع الإخوة (جبران) بمقطوعة (عبير) للراحل (العاقب محمد الحسن)، حشداً من الجمال والتوازي بأننا كذلك نملك عوّاداً شاطراً. مشطورين إلى مئة من الأجزاء، فعلوا بنا الإخوة (جبران) انقسامات الروح جذباً صوفياً نقر طاره وطبله العازف الشهير (يوسف أحبيش) مرافقهم منذ خمس سنوات وموقعاً على ألحانهم بإمضائه الذهبي. وببراعة حديثها تقدمه للحفل السيدة (نائلة عبد الخالق) مديرة أعمال الفرقة التي روت كيف حبها للسودان حيث ولدت جدتها بمدينة (ود مدني) العريقة. وبموسيقى هي من وحي الفراديس والأسفار في برازخ النغم. كل ذاك جعل الحضور فاقدين لوقارهم مصفقين ومتمايلين، وموحدين بأنهم لا شريك لهم في العزف والسيطرة على المسرح والقضية.