صباح السبت الماضي تزاحم شيعة تحالف المعارضة بدار حزب الأمة القومي للمشاركة في الاعتصام المعلن لمساندة المظلومين في يوم سمي (إنصاف)، تزاحم المناصرون ولم يكن يدر بخلدهم أن تحالفهم سيأخذ منحى آخر يضاف لمنحنياته الخلافية التي لازمته منذ مخاض مولده في سبتمبر 2009 وإمام الأنصار يعلن على الملأ أن على القوى السياسية الاتفاق على أجندة وطنية تمثل بديلاً لنظام الإنقاذ قبل التفكير في تحديد الوسائل لإسقاطه، مما يعني ضمنياً أن التحالف أهدر ما يزيد عن سبعة وعشرين شهراً دون برنامج يضع حداً لأزمات البلاد ويلبي احتياجات العباد خلافاً لما ظل يردده كل قيادات القوى السياسية بأن التحالف يمتلك برنامجاً واضحاً لعملية التغيير يشمل حتى كيفية إدارة الفترة الانتقالية التي تلي قبر (الطغمة). يومذاك اكفهرت وجوه الجماهير وهي تسمع وترى خلافاً آخر يهدد وجود كيانها الجامع، ناهيك عن تحقيق مآربه، خلافا عززه انسحاب رئيس الهيئة العامة للتحالف فاروق أبو عيسى والأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر احتجاجاً على خطاب صاحب الجهاد المدني الغارق لأذنيه في الحل السلمي الذي يضاهي سلمية (المناشفة) في مواجهة أصحاب الحل (الثوري) الذي يتعدى ثورية (البلاشفة) في الحزب الاشتراكي الروسي محققاً سودانيتها. ( 1 ) عندما أشرقت شمس اليوم التالي كان احتجاج قادة أحزاب المعارضة على خطاب الصادق المهدي قد وصل ذروته وهم يقاطعون على غير العادة وعبر اتفاق مسبق في ما بينهم، حفل عيد ميلاد الإمام السادس والسبعين الذي أقيم بمنزله بضاحية (الملازمين)، فجاء رد المهدي أكثر شراسة من شراسة (الغياب) وهو يصف أداء تحالف المعارضة بالهلامي ويصنف قراراته بأنها فوقية لا تمس أرض الواقع، وبشيء من الحسرة يؤكد الإمام أن هياكل التحالف غير فاعلة وأن تسميته نفسها – قوى الإجماع الوطني – لا تطابق الواقع، ولكي لا يجعل زيادة لمستزيد اتهم عناصر داخل التحالف بأنها تتحرك وفقاً لعوامل ذاتية وبشعارات تقفز بها فوق المرحلة، وينصب نفسه (قيماً) على التحالف ليشبه علاقته بالحركة الشعبية بأنها حب من طرف واحد، مستشهداً بأن هدفها كان استخلاص حقوق الجنوبيين من المؤتمر الوطني لتبني لهم دولتهم الخاصة وهو أمر قال إنه خلق فجوة مصداقية جعلت العوام والخواص يضحكون من أداء المعارضة، كما ضحكوا من الحكومة العريضة، ومتبعاً سياسة الأرض المحروقة طالت سهام الإمام وهو يستعصم بلغة الإشارة الاتحادي الأصل ورئيسه مولانا محمد عثمان الميرغني، قائلا إنهم تعاملوا مع حزب كبير باعتبار أن قيادته تتبع المؤسسية وواصلوا تعاملهم بعد أن تأكد لهم غير ذلك وبالتالي ساهموا في دعم نهج غير ديمقراطي. ( 2 ) ولكي لا يخطئ هدفه استعصم المهدي بلغة الإشارة مرة أخرى وهو يشير بما يشبه الصراحة نحو غريميه مبارك الفاضل وحسن الترابي، عندما قال إن شخصين أحدهما في حزبه والآخر في حزب حليف تركيبتهما أوتوقراطية ويريدان منه أن يتصرف مثلهما وعندما يرفض يشيعان أنه متردد ويتبعان النهج الانفرادي ويقعان في شر أعمالهما. ولم يجد بداً في أن يختتم مرافعته مستنداً على (الميتافيزيقا)، مؤكداً أنه يستخدم العقل البرهاني ويعتقد أن ابن آدم قد نفخ فيه من روح الله، لذا يستلهم كيانه الروحي لقراءة الأحداث حدساً أو عن طريق الرؤيا الصادقة وغير ذلك مما يسميه الصوفية كشفاً، وقال بشيء من الفخر إنه جرّب الرؤيا الصادقة في موت جمال عبدالناصر وانقسام الإسلاميين وسقوط حسني مبارك ونهاية نظام مايو، لافتاً إلا أنه يتمتع بوضوح الرؤية ومعرفة ما ينبغي فعله إلا أنه حريص على العمل الجماعي الذي يحتاج وقتاً وإقناعاً. ( 3 ) إفادات المهدي تلك كان من المؤكد بحكم الضرورة أنها لن تمر مرور الكرام فسرعان ما لملم قيادات القوى السياسية أطرافهم ودخلوا في اجتماع عاجل مساء أمس الأول بغية اتخاذ القرار المناسب إزاء (شعرة معاوية)، بينهم والمهدي والتي ما عادت تحتمل الشد والإرخاء ومن نافلة القول أن سبب غضبة القوى السياسية أنها قبلت في أكتوبر الماضي مقترحاً من المهدي نفسه يقضي بإعادة هيكلة التحالف تحت مسمى جديد وببرنامج جديد شكلت له فعلياً لجنة سباعية تتمتع كريمة المهدي مريم بصفة المقرر فيها ومناط باللجنة تجهيز الميثاق الجديد والإعلان الدستوري وهو ما اقتربت من إنجازه تمهيداً لعقد المؤتمر التأسيسي في مدة لا تتجاوز يناير المقبل، إلا أن (فعل) المهدي و(ردة الفعل) عند مناوئيه والتي ستتمخض عن اجتماعهم (الاحتجاجي) ستفرز تقويماً جديداً لعمل المعارضة، هذا إن لم تشيعه كما يلوح في الأفق..!.