{ كالعادة... نمارس طقوساً من الأحزان ونفلسف الوداع حالما بدأ العام يلملم أطرافه بغرض الرحيل، ونبدأ في التلويح له بالمناديل المبللة بالدموع والأسى من فرط إخلاصنا وتشبثنا به حتى يظن ألا حياة ستطيب لنا بعده. حتى إذا ما أزفت ساعة الأفول رحنا نمد له ألسنتنا ونهيئ أنفسنا للترحيب والاحتفاء بإطلالة العام الجديد في إشارة واضحة لما جبلت عليه نفوسنا البشرية من نفاق ومداهنة. { نعم.. ها هو العام قد انقضى بكل تفاصيله وأحداثه ويومياته وذكرياته وفواجعه وإنجازاته وأحزانه وأتراحه... مضى دون رجعة، وهذا سبب كافٍ للحزن فقد نقصت أعمارنا وانسربت من بين أصابعنا ولن تعود من جديد ليبقى الحال معلقاً ما بين المكسب والخسارة، فقد كسبنا عاماً أضفناه لتواريخنا، واقتنينا (روزنامة) أنيقة تحوي تفاصيل العام القادم بكل تفاؤل وعشم وفي كلتا الحالتين لم يكن أمامنا سوى أن نبتسم من بين الدموع. { عامٌ مضى... بهزائمه وانقساماته وثوراته وربيعه العربي وخريفه الشخصي.. بكل نيران الغلاء المستعرة في أسواقنا، وناطحات السحاب الشاهقة في سماواتنا تأكيداً على تطور العمران ووفرة الأموال التي نسمع عنها ولا نراها. تغيرت ملامحنا وخرائطنا.. تقلصت أعمارنا ومساحتنا.. تبدلت سحناتنا وثقافاتنا.. اختلطت أوراقنا وأولوياتنا... تجمدت مشاعرنا ومشاريعنا... فقدنا هويتنا وحماستنا... ومضى العام. { عامٌ جديد... وإني أفضل أن نقول عام سعيد.. عسى أن نصادف الخير الذي نتفاءل به.. وربما يستحي من حسن ظننا به فيجتهد في أن يكون سعيداً كما تمنيناه. لقد نقلنا مخاوفنا وأمنياتنا إلى (الأجندة) الجديدة.. فهل نتوقع منه أن يمضي في تنفيذها؟.. هل سيمنحنا ما نحتاجه من وفرة وطمأنينة ومستقبل آمن وأبدان معافاة وبيئة نظيفة وصحية وأصدقاء أوفياء وعيشٍ رغيد؟... هل سيصبح أحبابنا أكثر حنواً وأقل قسوة ويمعنون في تدليلنا والإخلاص لنا وتقدير تضحياتنا؟؟ هل نحلم بواقع تعليمي أفضل يخرج منه أبناؤنا بآفاق رحيبة وأذهان متفتقة دون أن يفقدوا براءتهم ونقاءهم وقيمهم النبيلة وأدبهم الجم واحترامهم لنا ولمعلميهم؟؟ { مضى عام.. وأطل آخر.. ولم يختلف لدي الأمر سوى أنني قد أظل أخطئ بعض الوقت في كتابة التاريخ على اعتبار أن لا شيء قد تغير فعلياً سوى كتابة التاريخ، وإن كنا بالمقابل لم نعد نكتب التاريخ ونكتفي بتحديثه الآلى على هواتفنا النقالة.. ولماذا نكتبه طالما لم يعد هناك تاريخ بعينه يستحق التأريخ فالأيام كلها متشابة في وقعها ووقائعها ونهاراتها وأمسياتها ونظامها غير المنظم. ولكن.. رغم كل هذا وذاك.. نبقى نهنئ بعضنا بالعام الجديد من باب الاعتياد أو الأمل.. وتظل في القلب حسرة على العام المنصرم الذي نخشى أن نكون قد أهدرناه دون فائدة دينية أو دنيوية يحبها الله ويرضاها ويدونها ملاك الحسنات في (أجندة) أعمارنا. { (كل عام وأنتم بخير)... وشكراً للعام 2011 الحافل بالمتباينات من التفاصيل.. فقد دخل حياتي فيه كثيرون تركوا آثارهم الواضحة.. ومضى آخرون غير مأسوفٍ عليهم وحدث خلاله تغير نوعي في حياتي بصورة إيجابية تستحق الحمد والامتنان . ومرحباً بالعام 2012 وأنا أجتهد في ترتيب نفسي وأهيئها للعمل الجاد والقويم ليتسنى لي إحداث قفزة نوعية مهنياً وشخصياً.. على أمل أن تتضافر كل العوامل من أجل أن يكون عاماً سعيداً آمناً مستقراً مخضراً... حتى وإن كان مصيره المحتوم أن يمضى بنا نحو حتفنا ويظل في خارطة الأيام مجرد عام والسلام. { تلويح: لملم بواقي الذكريات.. والفرحة.. والهم التقيل.. سارع بلا إستئذان رحل.. وتركت قماريهو الهديل... ينقص عمرنا بلا حساب.. وين نحنا من يوم الرحيل؟ ينقص ولا عارفين عداد باقيهو يبقه كتير قليل... لا نحنا أحسنا العمل.. ولا برجع اليوم القبيل. الرائع (الفاتح إبراهيم بشير)