في سنة ما حاولت أن أثبت لمسؤول حكومي أنني مولود في منتصف ديسمبر من سنة كذا وبطرفي شهادة الميلاد، إلا أنه أصّر بأن يسجل تاريخ مولدي يوم 1/1. فقلت له في سري (هو أنا بعرف تاريخ ميلادي أحسن من الحكومة؟!) مع الاعتذار لعادل إمام. نزعم أنه لا يوجد وطن في العالم يتزامن تاريخ استقلاله مع تاريخ ميلاد سنة جديدة سوى السودان. إن كنا في زماننا ذاك ينتابنا شعور واحد فقط هو أن الأول من يناير هو عيد الاستقلال بكل هيبته وقيمته الحقيقية.. ولم يكن في بالنا أبداً الاحتفاء (برأس السنة).. حتى العطلة كانت تسمى رسمياً عطلة عيد الاستقلال ونسترجع فيها مجاهدات وتضحيات من أسهموا فيه. وفي مدينتنا التي لا تختلف عنها بقية المدن كانت المكرفونات تصدح بأناشيد الاستقلال من خلال حناجر المطربين الكبار، مع ملاحظة أن الغناء للوطن قد تراجع.. ولكن «الآن» هذا الجيل يحتفل ويحتفي فقط برأس السنة، أما «توأمه» الاستقلال فلا يجد سوى مساحة ضئيلة في أعماقه.. فلماذا لا نفك التحام هذا (التوأم) الاحتفالي؟ لماذا لا يكون الاحتفال بالاستقلال يوم 19/12/1955م وهو يوم إعلانه الحقيقي داخل البرلمان؟! ولنترك يوم الأول من يناير من كل سنة يستقبله من يود الاحتفاء به، كل حسب الزخم الفرائحي الذي ينتابه في هذا اليوم. سواء أكان من خلال التوجه إلى دور العبادة.. أو الاستمتاع به على وقع الموسيقى والغناء في الأندية والمنتزهات.. أو الهتاف داخل الأحياء مع الألعاب النارية.. وكل ينفق في احتفال هذا اليوم حسب ما يحمله (جيبه) و(سمحة المقدرة)!! وربما يحاكي البعض من المحتفلين برأس السنة الميلادية - يحاكي سكان أمريكا الجنوبية والإسبان بتناول 12 حبة عنب مع دقات الساعة منتصف ليلة 31 ديسمبر. أو ارتداء ملابس تحمل الألوان الأحمر والأصفر والأبيض كما يفعل مواطنو بوليفيا إذ كل لون يرمز إلى أمنية في العام الجديد. وهل مسألة سكب المياه على المارة أتتنا من احتفال أهل كوبا الذين يلقون بالمياه من النوافذ اعتقاداً منهم أن ذلك يطهر منازلهم من الدنس. ونأمل ألا يصل المحتفلون لدينا في مقبل السنوات لما يحدث في البرازيل في هذا اليوم إذ يتوجه أهلها إلى الشواطئ بالمايوهات البيضاء لإلقاء ورود على المياه.. يعجبني ما يقوم به سكان بيرو في رأس السنة إذ إنهم يحرقون دُمى ترمز إلى شخصيات شريرة وشخصيات سياسية غير محبوبة.. والفكرة نهديها إلى مواطنينا ليخرجوا (النفس الحار) من أعماقهم إذ ما أكثر الدُمى التي سوف ترمز إلى شخصيات سياسية شريرة وسواها.. و(حريق الدمى.. حريق الشعب)!! نأمل أن يكون العام 2012م عام رفع المعاناة الاقتصادية عن المواطن.. عاما للحوار والسلام.. عاما ليس فيه شق أو طق آخر.. عاما للزراعة كما أعلن عن ذلك الرئيس البشير، لأن الزراعة هي صمام الأمان للحكومة ومن قبلها المواطن.