{ وزارة الشؤون الهندسية، تظل هي الأشهر والأهم بين حقائب وحقائق وزارات حكومة ولاية الخرطوم. وذلك لكونها تضم عدة مصالح تهم المواطن من بينها مصلحة الأراضي وما أدراك ما الأراضي، وفي المقابل يظل أشهر الوزراء هم الذين احتقبوا هذه الحقيبة الوزارية على فترات مختلفة، على الأقل في الفترة الأخيرة من حكم الإنقاذ. وما من سكان ولاية الخرطوم من لا يستذكر الدكتور شرف الدين بانقا، رغم تباعد الأزمان، وسيظل بانقا الوزير الإسكاني الأشهر لكون حقبته اتسمت بفك الخطط التسكينة المحبوسة منذ عقود، ثم يجيء عهد (الأمبراطور) المهندس عبد الوهاب محمد عثمان والذي شكَّل ثنائية مدهشة مع السيد المتعافي. فقد تحمَّل الرجلان عبء ثورة الطرق والجسور التي اشتعلت في عصرهما كما لم تشتغل في أي عهد آخر، فقد وضع الرجلان الخرطوم على قضبان سكة الطريق الصحيح، وذلك مما سهَّل مهام الذين أتوا من بعدهما. ويذكر أيضاً في هذا السياق المهندس عبد الله محمد خير آخر وزير شؤون هندسية منصرف، والحق يُقال أن الرجل قد اجتهد برغم قصر فترته. { والآن نحن نعيش عهد المهندس فقيري الذي قدِم إلى هذه الوظيفة من أروقة جهاز الأمن والمخابرات والحزب الوطني الحاكم لا يرسل ضباط مخابراته الأوفياء إلا إلى المناطق الحساسة. وعلى الأقل أن هذه الوزارة مربوطة بمصالح الجماهير ومصلحة الأراضي تحتاج إلى سرعة إيقاع مع الانضباط . { وقد بدأ المهندس فقيري عصره بعقد جلسات مفتوحة على نخب المحليات، بحضور الأجهزة التنفيذية. ولقد شهدتُ من يومين «جلسة محلية أم بدة» والفكرة لا تخلو من عبقرية اختارت المحلية مائة رجل وامرأة من قواها الحية والناشطة الرسمية والمدنية، ثم يأتي الوزير بأركان حرب وزارته المدير العام للوزارة وإدارات التخطيط والأراضي، المساحة، والمخالفات، ثم ابتدرت الجلسة بتقديم قراءة محكمة عن الحالة التخطيطية بالمحلية الحارات التي لم تُخطط بعد، والحارات قيد التخطيط، وحيرة السكن الاضطراري، والأخير هو اسم «الدلع» للسكن العشوائي وهذه العبارة المؤبة من منتوجات الدكتور الخضر الذي لم يشأ أن يصف بعض مواطنيه الذين اضطرتهم الظروف للسكن هكذا بأنهم عشوائيون. ثم أدار الأستاذ عبد اللطيف فضيلي معتمد المحلية حوار هذه الجلسة بامتياز. وقد استمعت الجلسة لإفادات من أعضاء المحلية بالمجالس التشريعية ورؤساء الغرف بالأسواق، ومن أعضاء الحزب واللجان الشعبية وأهل الاختصاص والاهتمام. ولقد خرجت القضايا باستفاضة من قبل الحضور. ثم ذهبنا إلى «دائرة الاختصاص» دفوعات إدارات الوزارة إسكاناً وتخطيطاً ومساحة وكهربة وإدارة، ثم ذهبت الجلسة في نهائياتها إلى رسم خارطة طريقة الحلول تشكيل لجنة من الجهتين، الوزارة والمحلية لتسوية كل الملفات المعلقة. والذي أطربني في أدب المهندس فقيري هو في المقام الأول مستمع جيِّد لقضايا المواطنين على الأرض، فضلاً عن طرحه لمحورين مهمين. الأول ذهابه في تأسيس ثقافة «النافذة الواحدة» وذلك ليجمع شتات وزاراته المبعثرة داخل الأحياء والمدن، مما يُسهِّل على المواطن ويوفِّر عليهم جهد الهرولة بين تلك الإدارات المتباعدة، ثم تأسيسه لجهاز «حماية الأراضي الحكومية ومحاربة السكن العشوائي». وهذه أزمة تاريخية إذ أن أنجع حل لمعالجة السكن العشوائي هو أن تحاربه قبل وقوعه، وأن تحمي الحكومة أرضها بمحاربة الجريمة قبل وقوعها. { ولو أن الوزير فقيري تميَّز بهاتين المكرمتين، النافذة الواحدة وحفظ ما بقي من أراضٍ، لكتب الرجل اسمه في لائحة الخالدين . { مخرج.. ولو أن هنالك جائزة لرجل الورشة لمُنحت لوحدة الشؤون الهندسية بمحلية أم بدة. فبرغم اتساع هذه المحلية «المدينة الريف»، إلا أن هذه الوحدة قد اختزلت كل إشكالاتها في ورقة مختصرة محددة مُتقنة مرقَّمة.. فمزيد من الاتقان والنجاحات.