في مثل هذا الوقت من العام الماضي طالعنا تصريحات صحفية للسيد والي ولاية الجزيرة تبشر مواطنيها ومستخدمي طريق الموت بقرب البدء في توسعة الشارع في أبريل الماضي ليشمل عدة مسارات تقلل من الزحام المروري والموت المحمول على جنباته. استبشرنا خيرا بالخبر وتمنينا ألا يكون رهن المشروع بشهر أبريل مجرد كذبة كما يتندر العامة من أول الشهر وارتباطه الدائم بمخالفة الواقع. انصرم يناير وأتى أبريل وانتهى العام ولم نشهد مترا واحدا تم تنفيذه رغم أن آليات الدولة بلغت أقاصي الشمال وحدود الغرب واتجهت لربط الدول الصديقة والقريبة رغم ما يؤخذ عليها مثل إريتريا وإثيوبيا. توسعت الطرق الطويلة بلا دراسات جدوى فيما تعاني الجزيرة بلد الخير العميم والإنتاج الوفير من لدن الخضراوات والفواكه والمحصولات الزراعية والنقدية فضلا عن السكر والقمح وغيرها وقد كانت الجزيرة وظلت هي عماد الاقتصاد السوداني وحتى الطير يجيها جيعان ومن أطراف تقيها شبع. الجزيرة التي احتضنت كل قبائل السودان وقاسمتها المزارع والمرعى والمأكل والمدارس والمشافي وحتى قطع الأراضي وجادت كما العادة ولم تضن على السودان ولا حكام السودان وكانت البيت الوسيع والماعون الكبير والقفة التي تمنح مائدة الطعام ما لذ وطاب من الأصناف لا تكل ولا تمل ولا تشكو ظلما ولا رهقا. لا نود التذكير بما قدمته الجزيرة للسودان فقد ظل ظهرها ينوء بحمل الأحمال الثقال ولكنها ما وجدت ما يماثل عطاءها وأدار عنها الساسة الظهور وأشاحوا بالوجوه لكنها ظلت صامدة عصية على الانكسار تقاوم في صلابة الشجعان وتمد الأيدي بالعطاء لا تعرف الشح والانكفاء. وحتى لا يكون الحديث محاولة للجهوية والتعصب للقبيلة تعالوا نقرأ بعضا من دفاتر الحسرة وأوجاع الإهمال والمعاناة. لا نتحدث عن طريق الخرطوم مدني فحسب رغم أنه حصد الأرواح وأهلك الحرث والنسل وهدد الثروة الحيوانية وهو الذي يمر بأكبر مشروع اقتصادي في القارة وقد وجدت الجزيرة الولاية من الإهمال ما وجده المشروع العظيم ولم تمتد إليهما يد الإصلاح لأن مواطن هذا البلد متسامح كريم عصامي لا يعرف التمرد والعصيان يقابل الظلم بإباء وشمم يتعفف في كبرياء وشموخ ويرفض أن يمد الكف بالذل. تعالوا نطالع جملة من الشواهد التي تقف دليلا ساطعا وبرهانا قاطعا على تعمد المركز تهميش الجزيرة دون سواها من الأقاليم. أنشأ المستعمر في العشرينيات مستشفى أبوعشر ليخدم مشروع الجزيرة وكل المناطق المجاورة وتم افتتاحه رسميا في عام 1929. المستشفى يقع في منطقة مثالية جوار أكبر ري للقسم الشمالي تقريبا وقامت إلى جواره مدرسة ضخمة. تخيلوا أن المستشفى المذكور يقع غرب شارع الخرطوم مدني على بعد 2 كيلومتر تقريبا ومنذ عام 1929 وحتى الآن فشلت كل الحكومات المتعاقبة في سفلتة الكيلومترين الاثنين لتربط المشفى بالشارع العام. الأنموذج الثاني مصنع سكر الجنيد الذي يبعد ذات المسافة تقريبا من شارع الخرطوم مدني وقد أنشئ تقريبا في بدايات الاستقلال، تخيلوا أن هذا الطريق القصير لم تتم سفلتته إلا قبل أعوام قلائل. أما التهميش الأكبر فيتمثل في تقاصر المال القومي عن قامة طريق المسيد المعيلق أبوعشر وهو حيوي ومهم للغاية لأنه سيوازي السكة الحديد القديمة والمعلوم أن المنطقة المذكورة من أفضل مواقع الإنتاج للخضر والمحصولات الزراعية ولو قام لقلل تكلفة النقل والترحيل وخفف الضغط على الطريق القومي وحسب معلوماتي أنه لا يزيد عن أربعين كيلومترا. لاحظوا أن مدينة كبيرة وعريقة وتاريخية وكانت مركزا للإدارة مثل المعيلق في زمن الإنجليز بعيدة عن شوارع الإسفلت حتى الآن. ومن صور التهميش المتعمدة للجزيرة ومواطنها الجبايات الكثيرة المفروضة على حركة تنقل المواطنين داخل الولاية فباسم المشاريع القومية تتحصل وزارة الطرق والجسور رسوم عبور على التنقلات داخل الولاية وقد نصبت عددا من نقاط التحصيل بين كل محلية وأخرى بل في بعض المحليات توجد أكثر من نقطة لتحصيل الرسوم. في الخرطوم لا يحتاج العابرون من محلية إلى أخرى لدفع الرسوم ولكن ما بين أبوعشر وهي وحدة إدارية والحصاحيصا وهي محلية تفرض الرسوم. نتمنى أن يصدر الوالي الزبير بشير طه أمرا يلغي رسوم العبور داخل الولاية مثلما تفعل ولاية الخرطوم التي لا يحتاج المتنقل فيها بين أم درمان وشرق النيل لدفع الرسوم. عانينا في ولاية الجزيرة في كل العهود السابقة من اعتقاد الولاة أن الجزيرة هي مدني فقط ولا تنال بقية أصقاع الولاية الاهتمام اللازم. مواجع الجزيرة كثيرة والمواطن بين مطرقة هيمنة المركز وضعف وتقوقع الولاية ولنا عودة.