{ كتبت قبل عام عن صناعة السياحة في بلادنا وبالذات تشجيع السياحة الداخلية لأنها تسنزف موارد مقدرة من العملات الأجنبية، وأن انفتاح السودانيين على السفر وقضاء العطلات والسياحة في الخارج بدأ يتصاعد بوتيرة سريعة، وفي مصر القريبة منا يحتل السودانيون الدرجة الأولى مع الغربيين في تصنيف العائد من العملات على مصر من السياحة، وذلك لمعدلات الصرف العالية لديهم التي من خلالها يضيقون الفارق بينهم وبين السياح الغربيين الذين يتجاوزنهم في العدد، بمعنى أن ما يصرفه السائح السوداني يعادل صرف عشرة سياح من الغرب والخليج، وتصديقاً لهذه الحقيقة فإن السودانيين في ثلاثة أشهر فقط، وهي فترة العطلة الصيفية، ينفقون (400) مليون دولار في مصر، ولذلك هناك رحلتان يومياً للقاهرة وباخرتان أسبوعياً تحمل الواحدة (700) راكب. { السياحة الداخلية يمكن أن تساهم بدور فعال في تقليص حجم الأموال التي تهرب إلى خارج الوطن، ولذلك أرى في مهرجانات السياحة التي تقيمها ولاية البحر الأحمر سنوياً وقد صعد نجمها هذا العام وهي تعود بخمسة مليارات جنيه على الولاية خلال احتفالات رأس السنة، وكذلك بدأت ولاية كسلا هي الأخرى تنشط في السياحة وتقيم مهرجاناً سنوياً، وبهذه المبادرات يمكن أن تنهض السياحة في بلادنا لا سيما وأن مقوماتها متوفرة ومتنوعة من منطقة لأخرى، وكذلك اتجاه السودانيين نحو السياحة يتطور وبدأت الأسر تخطط من وقت مبكر للسفر إلى الخارج بغرض السياحة، وقد أصبح ذلك عرفاً يحرص عليه الصغار قبل الكبار، والأرقام في هذا الجانب مخيفة جداً لأنها بصراحة ترسل العملات الصعبة المتوفرة للبلاد إلى الخارج، ففي إرتريا يحكي أحد (العرسان) أنه في أحد الأعياد كان عددهم يقترب من الثلاثة آلاف (عريس وعروسة)، ويبدو أن الحكومة الإرترية بدأت تستشعر حجم الأموال التي تعود عليها من قبل السياح السودانيين وتفرد برامج ترويجية عبر شاشتهم البلورية موجهة للسودانيين ويتم الاحتفال بالقادمين ببرامج تقام في الفنادق يحضرها الوزراء الإرتريون، وبذلك تنفتح جبهة ثانية لاستنزاف العملات، بالإضافة لجبهة إثيوبيا، وكل ذلك جيد يساهم في التواصل بين الشعب السوداني وهذه الشعوب، ولكن الناتج دائماً يصب في خانتهم وليس خانتنا، وهذا ما يستوجب التخطيط لصناعة السياحة في بلادنا ما دام الإنسان السوداني لديه القدرة والرغبة وله تجارب مع السفر إلى الخارج. ربما يقترب ما نصرفه سنوياً في السياحة مضافاً إليها العلاج هذا (المأزق) الآخر، يقترب من المليار دولار بلادنا في أمس الحاجة إليها. { نعم هناك برامج لتطوير السياحة ولكنها مبادرات ولائية وأهلية وكذلك هناك برنامج لتوطين العلاج بالداخل، وللأسف كانت نتائجه توطين العلاج بالخارج ويبدو أنه لم يخطط بشكل جيد، وأعتقد أن المسألة كلها أجهزة ومعدات وسارع في توفيرها ولم يلتفت إلى جوانب أخرى تتصل بالجوانب الأكاديمية وتأهيل الكوادر والنهوض بالخدمات الطبية، وبشكل عام هناك جوانب نفسية تتصل بالمواطن الذي بدأ يعتقد أن العلاج بالخارج مسؤولية اجتماعية قبل أن تكون خدمة علاجية يمكن أن تتوفر بالداخل، ولذلك حتى الميؤوس منهم يضطر ذووهم لتسفيرهم حتى يتجنبوا اتهامات الناس لهم بأنهم لم يهتموا بمريضهم وتركوه حتى مات. عموماً المسألة أكبر من أن نشخصها في هذه الزواية، ولكن مجمل ما نقوله وكما يقولون أن العبرة بالخواتيم والخواتيم، نقول إن العلاج في الخارج يتصاعد. { المطلوب التفكير بطريقة مغايرة ومن ثم الشروع في التحديدات في جانب السياحة وفي جانب العلاج، ويجب أن يكون التخطيط دقيقاً وشاملاً وأن يضطلع به المختصون وأن تكون هناك مشاركة فعالة للجانب الأهلي، لا سيما وأن له مبادرات جيدة وتجارب وهم المعنيون بكل ذلك، وأن يكون للحكومة المركزية دور واضح وألا تترك هذه الأنشطة للولايات وللأهليين، وأن يكون الجميع عمليين ومبدعين، لا سيما وأن هناك مواقع سياحية في ولاية الخرطوم ربما الفكرة حولها لم تتبلور بعد، لا سيما وأننا نترك مثل هذه البرامج الكبيرة لمعتمد مثلاً كما هو الحال في جبل أولياء التي هي أجمل من منطقة القناطر الخيرية بالقاهرة والتي تعد أحد المعالم السياحية، وخزان جبل أولياء يزوره في عطلة رأس السنة أكثر من عشرين ألف شخص في اليوم وهو ما زال على الطبيعة. { السياحة والعلاج إن وجدتا الاهتمام اللازم فإن ذلك يصب في مصلحة الاقتصاد السوداني، ولكن ذلك يتطلب جهداً مغايراً لما يبذل ورجالاً غير هؤلاء الذين لم يفعلوا شيئاً بعد.