الوجود الإسرائيلي بالقارة الإفريقية وجود قديم ومتجذِّر منذ زمن طويل. حيث أن منطقة شرق إفريقيا كانت من المناطق المرشحة كوطن بديل لليهود في كل من يوغندا وجنوب السودان. المخطط الاستعماري كان يسعى لفصل جنوب السودان وضمه لمنطقة شرق ووسط إفريقيا. كان القادة المؤسسون لدولة إسرائيل يأملون في إقامة وطن لهم في منطقة خضراء توجد بها المياه ليقوموا باستصلاحها وزراعتها. تلك هي كانت طموحات وآمال (هرتزل) مؤسس الدولة اليهودية. الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي هو إقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. ووصولاً لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي، قامت إسرائيل بالتسلُّل إلى القارة الإفريقية وأقامت لها حزاماً أمنياً بالدول الإفريقية جنوب الصحراء. لعب السودان دوراً كبيراً في قطع العلاقات الإسرائيلية مع الدول الإفريقية بعد حرب يونيو 67، حيث قامت معظم الدول الإفريقية بقطع علاقاتها مع إسرائيل بمبادرة من السودان. لم تنس إسرائيل للسودان دوره الذي قام به في دعم القضية العربية حيث شكَّل عمقاً إستراتيجياً لها ولعب دوراً كبيراً في قطع علاقاتها مع الدول الإفريقية، لذا فقد قامت بدعم حركة الأنانيا الأولى بكل الأسلحة التي استولت عليها من الدول العربية في حرب يونيو 67. كما قامت بدعم قوات الأنانيا بالخبراء العسكريين من أمثال المرتزق الألماني (اشتاينر) هذا بالإضافة إلى تدريب جنود حركة الأنانيا الأولى حيث تم تدريب أكثر من (200) ضابط بإسرائيل باعتراف دولة إسرائيل نفسها، في غفلة من الدول العربية خاصة جمهورية مصر العربية المتضرر الأول من ذلك. تسللت إسرائيل مرة أخرى للقارة الإفريقية وقامت بإعادة علاقاتها المقطوعة مع كل الدول الإفريقية، والتغلغُل في كل الدول الإفريقية التي تقع في نطاق الأمن المباشر للسودان سواء أكان ذلك من الناحية الجنوبية أم من الاتجاه الإستراتيجي الشرقي خاصة دول منبع نهر النيل. وهذا يعني أن السودان قد أصبح دولة مواجهة مع إسرائيل بعد أن تمركزت إسرائيل على حدوده الجنوبية بدولة الجنوب الوليدة حيث أصبحت جوبا اليوم مركزاً للاستخبارات الإسرائيلية والغربية. لقد وافق سلفاكير على أن تصبح جوبا مقراً للقوات الإفريقية الأمريكية (آفريكوم) كما وافق كذلك على إقامة قاعدة عسكرية في ولاية الوحدة وشمال أعالي النيل حتى تصبح إسرائيل قريبة من البحر الأحمر. زيارة سلفا كير لإسرائيل كشفت المستور في العلاقات التاريخية بين حركات التمرد بجنوب السودان وإسرائيل وتصريحاته الخاصة بشأن الدعم الإسرائيلي الذي لولاه لما نال الجنوب استقلاله، تؤكد أن دولة الجنوب الوليدة صناعة إسرائيلية. أعلن سلفا كير أنه يعتبر دولة إسرائيل نموذجاً يُحتذى به وهذا يعني أنه سوف يسلك نفس سلوك دولة إسرائيل الذي هو سلوك عدواني في حقيقته. وهكذا يكون قد كشف عن النوايا العدوانية لدولته الوليدة. تمخض عن زيارة سلفا كير لإسرائيل إرسال وفد إسرائيلي لجوبا لتحديد الاحتياجات العاجلة وهذا يؤكد أن دولة الجنوب ستصبح هي إسرائيل إفريقيا وستقوم بنفس الدور الذي تقوم به إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط!! مؤخراً أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن رفع الحظر عن توريد السلاح لدولة الجنوبالجديدة كما أعلنت عن دعمها بالسلاح والتدريب لرفع القدرات الدفاعية لدولة الجنوب ضد شمال السودان. إسرائيل أعلنت هي الأخرى عن نواياها العدوانية ضد السودان التي كشف عنها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الذي أشار إلى الإستراتيجية التي تبنتها إسرائيل وهي أن يكون السودان دائماً مشغولاً بنفسه حتى لا يقف على رجليه ليدعم قضايا أمته العربية والإسلامية. كذلك أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن نواياها العدوانية ضد السودان الذي وصفته بأنه قد أصبح يهدد أمنها القومي، ولذا فإنها سوف لا تسمح له بالاحتفاظ بأراضيه الشاسعة واستغلال ثرواته وموارده الضخمة. دولة جنوب السودان أعلنت عن دعمها لقوات الحركة الشعبية قطاع جبال النوبة «الفرقة التاسعة» ودعمها لقوات الحركة الشعبية قطاع جنوب النيل الأزرق «الفرقة العاشرة» كما قامت بإيواء قوات الجبهة الثورية السودانية بجوبا وتقديم الدعم اللوجستي لها ولقوات الحركة الشعبية قطاع الشمال للقيام بحرب وكالة نيابة عنها. وما تشهده منطقة جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور من عمليات عسكرية يعتبر البداية لحرب استنزاف جديدة سيشهدها السودان!! تأسيساً على كل ما تقدم فإن دولة الجنوب تعتبر هي الذراع العسكري لدولة إسرائيل للسيطرة على مياه نهر النيل. الفلسفة التي قامت عليها حرب الجنوب هي أن تكون حرب استنزاف دائمة لشل قدرات السودان حتى لا يدعم قضايا أمته العربية والإسلامية. واهمٌ من يظن أن اتفاقية نيفاشا «الكارثة» قد حققت السلام حيث أن كل الذي أنجزته هذه الاتفاقية هو نقل السودان ليصبح دولة مواجهة مع إسرائيل بعد أن أصبح جنوب السودان قاعدة إسرائيلية وأمريكية لتنفيذ المخططات الصهيونية بالمنطقة الخاصة بتقسيم السودان إلى دويلات صغيرة وخنق مصر خنقاً مائياً إستراتيجياً إذا ما حاولت أن تتراجع عن اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت الجيش المصري من الصراع العربي!! إسرائيل تنظر إلى مصر كعدو إستراتيجي لها يهدد أمنها القومي خاصة بعد وصول الإسلاميين للحكم في كل من مصر والسودان، ومن هنا نجدها قد خططت للاتفاق الإطاري لدول حوض النيل الذي وقَّعت عليه دول المنبع ورفضت مصر والسودان التوقيع عليه. هذا الاتفاق الإطاري يعتبر نوعاً من ممارسة الضغوط الإسرائيلية على مصر حتى تحافظ على اتفاقية كامب ديفيد 1979م. إسرائيل أحكمت وجودها وسيطرتها على منطقة البحر الأحمر حيث أصبح هذا الممر المائي الدولي تحت سيطرة إسرائيل وغاراتها الجوية المتكررة على شرق السودان تؤكد صحة هذا الإدعاء. كذلك لقد أحكمت إسرائيل سيطرتها على الدول الإفريقية جنوب الصحراء خاصة دول منبع نهر النيل من خلال ازدياد نشاطها ووجودها المكثف بهذه الدول خاصة جنوب السودان وهذا يعني أن مصر والسودان قد أصبحا بين فكي أسد! الغريب في الأمر أن كل هذا قد تم على نار هادئة منذ إعلان وعد بلفور المشؤوم في عام 1917م، في ظل غياب الوعي العربي عن قضايا أمته العربية وفي ظل غياب الفكر العربي الإستراتيجي الموحَّد والأمن القومي العربي المشترك. مثلما خذلت الدول العربية فلسطين فإنها ستكرر نفس التجربة مع السودان ولذا فإنه ينبغي على الخرطوم في ظل الربيع الإسلامي أن تسعى لتوطيد علاقاتها مع الدول الإسلامية والدول العربية التي طالها الربيع العربي. خلاصة القول الاستهداف للسودان قد أصبح اليوم يشكِّل تهديداً مباشراً للأمن القومي السوداني بعد أن صار السودان دولة مواجهة حيث أصبحت إسرائيل تتمركز على حدوده الجنوبية وهذا يعني أن حرب الاستنزاف المفروضة على السودان ستستمر بصورة أكثر خراباً ودماراً. ختاماً المرحلة الحالية تتطلب الإسراع في تنفيذ اتفاقية سلام الدوحة وتطوير علاقات الأمن الإقليمي مع كل من تشاد وإفريقيا الوسطى وإثيوبيا وإريتريا والإسراع في تحقيق الوفاق الوطني وبذل كل الجهود لإحياء اتفاقية الدفاع المشترك العربية خاصة مع مصر وليبيا وعقد اتفاقيات تعاون إستراتيجي مع كل من إيران وتركيا والصين وروسيا مع الاستمرار في بناء وتطوير القدرات الدفاعية للدولة للحفاظ على ما تبقى من السودان. وبالله التوفيق. فريق أول ركن/ زمالة كلية الدفاع الوطني - أكاديمية نميري العسكرية العليا