من حق أهل العاصمة القومية أن يصابوا بأقصى درجات الانزعاج والقلق، ولِمَ لا؟ فما من يوم أشرقت شمسه، إلا وطالعوا على صفحات الصحف مزيداً من تفاقم القتل بالسلاح الأبيض والناري، وعصابات تقتحم البيوت ليلاً تنهب وتسلب كل ما تطاله أيديهم من مقتنيات. ومن هؤلاء المقتحمون من يمتطون دراجات بخارية، وآخر مثال ما حدث- مبلغ علمي- منذ أيام في مدينة المهندسين بأم درمان، حيث استطاع النهابون أن يستولوا على كثير من المال والذهب وأجهزة الموبايل، وتجارة الأخير رائجة في طرقات ولاية الخرطوم بشكل واسع. وحدِّث ولا حرج عن جرائم القتل خلال مشاجرات حتى في بيوت الأفراح، والطريق العام، وأماكن «اللهو البرئ» حيث يقتل الصديق صديقه، وفي بيوت معاقرة الخمور البلدية، وتعاطي الحشيش، بل حتى في مدارس مرحلة الأساس ومن بين أطفالها من يدخل الفصل الدراسي وتحت ثيابه سلاح أبيض يبقر به بطن زميله في الوقت المناسب، انتقاماً منه لأتفه الأسباب. وحدِّث ولاحرج عن وافد جديد أيضاً على المجتمع العاصمي، يتمثل في ظهور عصابات تختطف صغاراً وكباراً، وتحبسهم كرهائن وعبر الموبايل تتصل بذويهم، تطلب منهم فدية مالية فادحة، ثمناً لإطلاق سراحهم وإلا.. ومما يضاعف من معدل هذه الجرائم أمران الأول هو توافر الأسلحة البيضاء المعروضة على الأرض عينك يا تاجر وفي وضح النهار وكأنها لعب أطفال أو أمشاط أو كريمات أو حلويات، وليس أسلحة فتاكة تؤدي بضحاياها إلى أقرب قبر. أما الأمر الثاني فهو: انتشار الأسلحة النارية التي تباع في الخفاء بأبخس الأثمان وأزهدها، وما أكثرها في مخابئ المناطق الطرفية ذات الكثافة السكانية المخيفة في عاصمة يربو تعداد سكانها على عشر ملايين نسمة معظمهم من نازحي الولايات غير المستقرة بسبب حروب مشبوهة وسوء الأحوال المعيشية ، هذا إلى جانب وافدين من بعض الدول حولنا. العجيب هناك من يزعم أن هذه الجرائم ما هي إلا حالات فردية لم تبلغ بعد مستوى الظاهرة. ويمكن الرد على هذا الزعم بسؤال واحد: منذ متى كانت الحالات الفردية الخطيرة التي لا يتم علاجها أولاً بأول لا يترتب على ذلك تفاقمها ونموها وتحولها إلى ظاهرة تهدد أمن المجتمع وسلامه؟. ثم إذا كانت تلك القضايا، فردية أو ظاهرة اجتماعية، ألا يقتضي ذلك من أهل العلم والتخصص والخبرة أن يتولوا بحثها ودراستها واستخلاص ما يصلون إليه من نتائج، وطرح كل ذلك من خلال أجهزة الإعلام كافة، وهو أمر من شأنه خلق رأي عام واعٍ ومستنير وضاغط على الحاكمين ومتخذي القرار، بدلاً من ترك الحبل على الغارب للسياسيين وحدهم يتناطحون أو يمرحون على هواهم؟!. باختصار: { في موازنة هذا العام خفض الصندوق القومي للمعاشات نسبة الفائدة في التمويل الأصغر للمعاش من 18% إلي 16%، وبدلاً من سداد القسط الشهري بكامل راتب المعاش أن يتم خصم نسبة سداد تترك للمعاشي باقي راتبه، هذا مع زيادة فترة السداد. في دول أخرى تعتمد مؤسسة الضمان الاجتماعي- أساساً- على عائداتها من منشآتها الخاصة، اقتصادية وخدمية، وهكذا توفر لمنتسبيها حياة كريمة تشمل تسهيلات عديدة مما يغنيهم عن ذل السؤال وإهانة كرامتهم الإنسانية وهم في خريف العمر بعد عطاء الأعوام الذي اعتصر كل ما فيهم من طاقة وقوة. على أن من الدول ما تمنح بنوكها قرضاً حسناً- خالٍ من أي فائدة للبنك، حتى ولو وكانت قرشاً واحداً، أما السداد فهو يتم على أقساط مريحة طويلة الأجل. ولهذا ليس غريباً أن يطلب معاشيو السودان إنفاذ القرض الحسن لكل من هو في حاجة إليه. { أتصور أن كل مقاتل كان ينتمي إلى الحركات المسلحة، ثم ألقى سلاحه ليعود إلى العمل السلمي في سبيل مطالبه هو - بلا شك- إنسان اختلج ضميره حيال مآسي أهله الفظيعة التي جنت على حياتهم في عمليات مسلحة أدت إلى الخراب والدمار وقتل ومرض ونزوح ولجوء، بينما قياداتهم - من طينة ذلك الطراز العجيب- يتمتعون بأطايب الدنيا ونعيمها في أرقى الفنادق الخارجية وعلى مستوى الطائرات يتجولون، وهم في آخر موضات الأزياء الأوروبية، ورباطات العنق الملونة وكل ذلك بفواتير يدفعها المال الأجنبي. { أسلوب جديد ابتكره بعض عمال البناء الأجانب وربما بعلم مقاولين، يتلخص هذا الأسلوب في استخدام أكياس الأسمنت الفارغة والكرتون التالف «كحشوة» بين الطوب أو البلوكات مما يقلل من كمية الآخيرين. هل عرفتم الآن لماذا تتصدع عمارات كمقدمة لانيهارها على رؤوس ساكينها؟ أنها جريمة مؤكدة. { هل نرثى بالكلمات أو بالدموع لحال «سيدات أعمال» حبيسات خلف قضبان السجن وهن ربات بيوت وموظفات وزوجات وأمهات لأطفال لعب شيطان موجة الثراء الفاحش بعقولهن للحصول على بضائع من شركات أو قروض مصرفية، وإذا بهن يفشلن فشلاً ذريعاً في سداد ما على عواتقهن من مليارات الجنيهات ولا مفر ولا نجاة. { نبأ عظيم أن أقدم السودان الآن على السعي لاستعادة آثار وكنوز مملكة مروي ، فقد أعاد ذلك إلى ذاكرتي ما كنت أسمعه على أيام الطفولة من أهلي لوالدتي في جبل أم علي وقدو بأن سيول الأمطار كانت تحمل إلى قراهم تماثيل ذهب صغيرة من منطقة البجراوية. فلماذا كان هذا الإهمال طوال هذه الأعوام؟