جدلٌ كثيف يدور هذه الأيام داخل أروقة حزب المؤتمر الوطني بصورة خاصة، والساحة السياسية بصورة عامة، عقب صدور مذكرة الإسلاميين التي لم يُفصَح عن معديها حتى الآن. هذه المذكرة التي أفرزت مساحة للنقاش بين قيادات المؤتمر الوطني نفسه، خرجت هذه المرة من مكاتب الحزب إلى عامة الناس. فقبل أكثر من أسبوع تحدث أحد منسوبي الحزب الغاضبين عن عدم وجود شورى داخل المؤتمر الوطني، وأكد ضعفه وعدم استجابة قياداته لحركات الإصلاح التي ظلَّ ينادي بها أعضاؤه، لكن بالمقابل هناك من يرون أن الحزب بخير، ويعمل وفقاً للمؤسسية التي أقرها الجميع. هذه المساحة الحوارية نُفردها للقيادي الشاب الذي يشغل منصب أمين أمانة الإعلام والفكر والثقافة بالمؤتمر الوطني ولاية الخرطوم، د. نضال عبد العزيز، للتعرُّف على الحراك الدائر الآن داخل حزبه، فإلى التفاصيل: { بوصفكم قيادات في المؤتمر الوطني، كيف تنظرون إلى المذكرات التصحيحة؟ وماذا قررتم بشأنها؟ - مذكرات كثيرة رُفعت وليست مذكرة واحدة، والاستخدامات كثيرة، ورُفعت من قيادات الحزب والحركة الإسلامية. قبل هذا رفعت مذكرة تصحيحية من البرلمانيين وأساتذة الجامعات؛ برفيسور محمد سعيد الخليفة، ومأمون حميدة، وقيادات معروفة، وقبلها مذكرة العشرة المعروفة صاحبة الشأن والصيت، والمذكرة التصحيحية التي يُشاع صدورها من شباب الحركة الإسلامية وشباب المؤتمر الوطني أنا اطلعت عليها من حيث الُأطر العامة وليست الُأطر التنظيمية. وأنا لم أجدها في دواليب الحزب لكن قرأتها كما قرأها المهتمون في الصحف، وفي تقديري الخاص أنها مذكرة خجولة وركيكة ولا تمثل شباب الحركة الإسلامية بأية حال من الأحوال. { طيب.. من الذين يقفون وراء رفع هذه المذكرة؟ - الشاهد في الأمر؛ إلى تاريخنا هذا لم نسمع ولم نعرف من هم الذين رفعوا المذكرة، ويدور هنا وهناك كلام حول أسماء لها إسهاماتها ومجاهداتها، لا ننكر أنها صادقة في مسيرة الحركة الإسلامية. لكن في تقديري الخاص أن المنهج الذي تُدار به هذه المذكرة منهج غير سليم وغير دقيق. { حسب وصفك، إنها ليست مذكرة واحدة. أيها نوقشت من المؤتمر الوطني الآن؟ - المؤتمر الوطني يعمل حسب مؤسساته، والالتفاف حول الأشخاص لا يؤدي إلى نتائج، وإذا كانت هناك مذكرة لإصلاح الحزب فينبغي أن تكون وفق أطر الحزب. نحن على مستوى ولاية الخرطوم لم تأت إلينا مذكرة إصلاحية ولا غير إصلاحية، معلوماتنا تشير إلى أن هناك مذكرة رفعت، أنا أعلم جيداً أن هناك مذكرة رفعت من أساتذة الجامعات وهم صفوة المجتمع وتمت إدارة نقاش مع هؤلاء الأساتذة داخل أطر وأجهزة الحزب مع د. نافع وقيادات الحزب. { إحدى المذكرات طالبت بفصل الوطني عن جسم السلطة، هل هذا ممكن؟ - الذين يتحدثون عن الإصلاح داخل الحزب يعلمون تماماً أن الإصلاح جزء من طبيعة البشر، لكن طبيعة الأحزاب قائمة على الحراك الإنساني، وهو بطبيعة الحال مبني على الجانب السلبي والجانب الإيجابي، وهذا يقود إلى أن هناك قوة خير وقوة شر. أنا (داير) أشير إلى أمر مهم، في عام 1979م الحركة الإسلامية كان لها أكثر من عشر مؤسسات اقتصادية، وهذا يعني أن الحركة الإسلامية كحزب لم تبن بإمكانيات وموارد الدولة بأية حال من الأحوال. والحديث عن أن المذكرات تدعو إلى هذه القضية فهي قضية موضوعية جداً، وجوهر ما رفعته المذكرة من قضايا نحن نتفق حول كثير جداً من الأشياء التي ذُكرت، فكثير من جزئياتها حقيقي، لكن ينبغي أن تناقش داخل أطر الحزب. { بعض القيادات داخل الحركة الإسلامية أرجعت ظهور المذكرات إلى انعدام الشفافية وانسداد الحوار داخل المؤتمر الوطني، في رأيك ما مدى صحة هذا الحديث؟ - (كلٌ يؤخذ على قوله ويرد، إلا صاحب هذا القول). هكذا قال الإمام مالك. أنا شخصياً أعتقد أن الذي يريد أن يلتقي د. نافع فهو يعرف أين يلتقيه، ومن يريد أن يلتقي رئيس المؤتمر الوطني بالولاية فهو يعرف أين يلتقيه، فهل أجهزة الحزب ومؤسساته الشورية ضاقت عن سماع هذا الكلام، أم أننا لم نجد مساحة لطرحها على مستوى أجهزة الشورى، أم أن المساحة التي طرحت لم تكن كافية لأن الشخص الذي يقول لم يستطع مقابلة قيادات الحزب؟ هذا نفسه يحتاج إلى إصلاح، وهذا عجز القادرين على التمام. وأي شخص يقول أريد فرصة في الشورى لطرح رأيي لأنه لم تُتح لي فرصة؛ هذا الأمر مردود لشخصه. الحزب له مؤسساته وله شورى وله مساحة من الزمن متاحة، نتفق أو نختلف. كنا قديماً حينما نريد أن نلتقي بعض القيادات في العمل التنظيمي والإسلامي نصلي معهم الصبح. المؤتمر الوطني كحزب له مؤسسات لم تضق أو ترفض سماع هذه القضايا. { ماذا عن إقرار إبراهيم أحمد عمر بوجود مشاكل في تطبيق الشورى؟ - الحديث عن انعدام الشورى لا ينفي أن هناك مساحات واسعة للشورى، وهذا ديدن المؤتمر الوطني، وهو في حراك مستمر لتجديد لوائحه ونظامه الأساسي بما يتواكب ويضمن للناس حريات التعبير داخل الحزب. { هل هناك أزمة داخل الوطني في تطبيق ما يُنادي به من مبادئ؟ - المبادئ والقيم لا يحملها المؤتمر الوطني وحده، كل السودانيين يحملون قيماً سامية جداً وعظيمة، المؤتمر الوطني يحمل قيماً ولا نستطيع أن نقيس ذلك بالتيرمومتر، المباديء لا تُقاس، ما ترينه أنتِ مطبَّقاً في المبادئ بنسبة (20%)، أراه أنا مطبَّقاً بنسبة (60%) مثلاً، وغيري بنسبة (80%) فهذه مسألة متعلقة بطبيعة الناس. لكن هذا لا يعني أننا وصلنا إلى النموذج والمثال في المؤتمر الوطني، ولا يعني أننا وصلنا إلى المدينة الفاضلة في المؤتمر الوطني، لكن في تقديري المؤتمر الوطني حزب متماسك في حراك مستمر لتحكيم هذه المبادئ. { الوطني أعلن من قبل في المؤتمر العام الأخير مبدأ ألا يظل الشخص في منصبه أكثر من دورتين! - أنا أمين الإعلام والفكر والثقافة في المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، وعضو المكتب القيادي للحزب، أستطيع أن أقول هنا إن حكومة ولاية الخرطوم نفذت ما وعد به الحزب على أرض الواقع بنسبة (100%)، وهذا الأمر ليس مجرد مزايدة سياسية. الآن حكومة ولاية الخرطوم يدير دفتها شباب، وهذا التزام من الحزب وخرج عنها الذين تبوأوا مقاعد لأكثر من دورتين، وهذا القرار قيادي طُبِّق بنسبة (100%) حباً وليس إكراهاً، وهم غير مغصوبين عليه، مع الأخذ في الاعتبار الكفاءات والخبرات والإمكانيات، لكن تمثيل الشباب كان واضحاً جداً في ولاية الخرطوم، تمثيل المرأة ومشاركة الأحزاب السياسية أيضاً حتى قيل إن حكومة الولاية وضعت حكومة المركز في تحدٍّ، هل ستلتزم بذلك الحكومة الاتحادية أم يتغير الأمر؟ { إذن.. هل أنت راضٍ عن التشكيل الوزاري الاتحادي؟ - أنا غير راضٍ عن التشكيل الوزاري الاتحادي، بمعنى الأخذ في الاعتبار خصوصية التمثيل الاتحادي، لأننا نراعي فيه الخبرة والتجربة وظرف البلد والتحدي العام. لكن في تقديري الخاص كان بالإمكان أن يكون تمثيل الشباب أصحاب التجربة والخبرة بصورة أكبر، وكان ينبغي أن نحقق للحكومة معادلة موزونة تحفظ لها حيويتها الجديدة. { هل استبعاد الشباب من التشكيل الوزاري كان لعدم الكفاءة مثلاً؟ - الحكومة ليست كاللعبة الرياضية، هناك معطيات أخرى تبين هل أن شكل الحكومة يتناسب مع الأداء الواقعي في دولاب الحكم أم لا، الحكومة الماضية مثلت الشباب تمثيلاً خجولاً، لكن كان هناك عدد مقدر من الشباب في دفة الحكم. مثلاً حاج ماجد سوار وسناء حمد وصلاح ونسي. { لكن هذا التمثيل مقارنة بالوزراء الكبار ضعيف؟ - نحن نطمح أن يكون التمثيل أكبر. { ألا توجد آليات داخل الوطني لتأهيل الكوادر الشبابية لتتبوأ مناصب رفيعة في ما بعد؟ - يتم اختيار الشباب باعتبار الكفاءة والخبرة والعطاء والتجربة. المؤتمر الوطني يهتم بتدريب كوادره في شتى المجالات: إداري، قيادي، متخصص وأكاديمي، وهناك العديد من الذين نبغوا في العلوم والفيزياء والرياضيات بفضل دعم الحزب الشخصي لهم. الحزب يبعث الموفدين إلى الخارج للتدريب، والكثير من شباب المؤتمر الوطني الآن تلقوا دورات تدريبية متقدمة في لندن وماليزيا، ويُتاح للكادر التدريب في داخل السودان وخارجه وهو مؤمن بمسألة توارث الأجيال. { يُقال إن المؤتمر الوطني يفتقر إلى المرجعية الفكرية، ما رأيك؟ - المؤتمر الوطني يحتكر الحكمة والمعرفة على مستوى السودان، وهو حزب نشأ في بيئة متعلمة، ومحضنه كان خريجين من جامعة الخرطوم، والحديث عن أن المؤتمر الوطني يفتقد المرجعية الفكرية ليس له وجود من الممارسة السياسية. التفكير لا ينقطع عن العمل، يعني ما ممكن آتي بشخص وأقول هذا مُفكِّر، لكنّ هناك شخصاً يمكن يكون سياسياً ومفكراً وله قدرات متميزة، فنحن نحتاج إلى مزيد من التصويب نحو الهدف الحقيقي والرجوع إلى الفكرة بشكل صائب وجعل الفكرة محور هدفنا ونشاطنا داخل الحزب. { هناك قيادات تصف المؤتمر الوطني بأنه ضعيف المؤسسات الداخلية، ما رأيك في هذا القول؟ - المؤتمر الوطني حزب صفوي جماهيري يرتكز على قاعدة عريضة، والسواد الأعظم من السودانيين انتخبوا الحزب حباً كما حدث في الانتخابات الأخيرة، وكل مؤسسات الحزب تشير إلى أن الحزب موجود ومتماسك وأداءه راتب وهناك نشاط في الحزب، ولكن هذا لا ينفي وجود ضعف في بعض مفاصل الحزب التي تحتاج إلى ترميمها. الحديث عن أن الحزب ضعيف هذا هراء وحديث عارٍ من الصحة.