يحكى أن أحد الخطباء قد صعد على منبر الجمعة ليعلن للمصلين أن «بيت خمر» قد افتتح في الحي، وباشر مهام ترويجه ومبيعاته لأم الكبائر، وفي خطوة لاحقة يصف الشيخ الإمام المنزل مكان الخمارة ويدعو المصلين لمقاومته، وفي مساء ذات اليوم يتجه اثنان من المصلين ممن ابتلوا بمعاقرة الخمور، يتجهان إلى البيت، حسب وصف الشيخ الإمام وخطيب المسجد، ثم يباركان الافتتاح ل«ست البيت»، ويضيف أحدهما «كتّر خير الشيخ الذي دلنا عليكم وكنا قبل خطبة الشيخ نقطع مشواراً طويلاً في طلب الخمر». تورد هذه الحكاية في سياق الإعلام الضار، حكاية أقرب وأغرب لذلك قد حدثت في مسجد حينا منذ أيام، فلما قضيت صلاة الفريضة وقف أحد الشباب خطيباً وبدا أنه من غير سكان الحي، وواضح أنه سلفي الملبس والحديث والمدرسة، ولقد اعتاد المصلون في هذا المسجد على أن يستمعوا لأي داعية وواعظ دونما السؤال عن لونه وجنسه ومدرسته، وذلك ما التزم الأدب والشرع والعقل، غير أن الشاب الذي بدا متماسك الحديث قد انحرف فجأة بحديثه وكان أصلاً قد بدأ حديثه عن انحراف عقيدة الشيعة وقد شايعناه في هذا الطريق والكل يدرك تلك الانحرافات، غير أن الرجل قد ذهب في الاستدال بألفاظ بذيئة لدرجة التقزز؛ قال إن الشيعة قد قالوا في الصحابة، رضوان الله عليهم، ألفاظاً والله ما سمعنا بها من قبل وهي ليست غريبة على الشيعة لكنها غريبة على مسامع المصلين، فلم يحتمل المصلون سماع تلك الألفاظ الموغلة في الفحش والبذاءة فطلبوا منه الكف عن الحديث، فنهض أحد الشباب من وسط المسجد وبدا أنه زميل المتحدث وأحدث هرجاً ومرجاً ما شهدناه في هذا المسجد من قبل وأوشك أن تندلع معركة بين المصلين والشابين وتكمن أزمة هذين الشابين وأزمة خطابهما في أنهما لا يريدان أن يستمعا إلى أحد، حاولت بصعوبة أن آخذ أحدهما جانباً لأقول له: يا أخي أنتم الآن تعالجون بدعة ومنكراً بما هو أفدح منه، ألم تعلم أخي أن «جماعة المسلمين» وتماسكهم هي فوق كل الاعتبارات الأخرى، فنحن معكم في الفكرة؛ مناهضة التشيع لكن ليس بهذه الطريقة الغوغائية وبهذا التهريج ثم سردت له ثقافة الإعلام الضار وهما الآن ينشران فكر الشيعة الذي لم نسمع به من قبل! وفي ظل تناسل المدارس السلفية وتشرذمها أنا لا أعرف إلى أي جماعة ينتمي هذين الشابين ومن الذي يقف وراءهما وبدا أنهما مرسلان ويرسلان في كل الاتجاهات ليقولا ما قالا ثم يحدثان شروخاً وتصدعات بين المسلمين هي أفظع وأعظم من التشيع نفسه. والمدهش أن الخطاب السلفي بهذا الأدب يخسر، وأذكر أن الرجل الذي يقوم على رعاية المسجد وسدانته قد أعلن أمام المصلين أنه بعد الآن «ما يجي واحد بجلابية قصيرة ودقينة ليعلمنا ديننا»! وكان هذا المسجد قبل ذلك متاحاً أمام السلفيين! السلفيون يخسرون. ومن جهة أخرى وفي أشرطة مسجلة وموزعة منسوبة لأحد هؤلاء السلفيين ويدعى مصطفى عبدالقادر- لا فض الله فوه- يقول في أحد المقاطع: «هنالك صحفي يدعى أبشر الصائم يقول إن شيخ الترابي مجدد»! وبدا أن الرجل السلفي يظلمني وهو لم يستوعب مقالة قد كتبتها منذ فترة تحدثت فيها عن سيرة الرجل ومسيرته، دون أن أتبنى أفكاره في الإمامة والسياسة والخلافة! هاتان الحادثتان جعلتاني أتحفظ على الخطاب السلفي عبر مدارسه المتباينة وأخشى أن تنتهي بنا أدبيات الغلو والقذف هذه إلى ما لا يحمد عقباه! مخرج.. على شيوخ هذا المذهب السلفي أن يراجعوا تلاميذهم وأدبيات خطابهم وأن يقرأوا جيداً المرحلة التي نعيشها، فالمرحلة لا تحتمل عراكاً داخلياً واليهود يطرقون باب دولتنا من جوبا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.