شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مفاوضات شاقة وعسيرة بين حكومتي الشمال والجنوب طيلة الفترة الماضية دون الوصول إلى نتائج ملموسة واختراقات كبيرة حول القضايا العالقة بين البلدين، لكن ضمن المُباحثات الجارية بينهما بالعاصمة الإثيوبية؛ اقترحت الخرطوم على جوبا عقد قمة رئاسية بين رئيسي السودان عمر البشير ودولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت في العاصمة (جوبا) في أقرب وقت ممكن لحل القضايا الكبرى التي لم يتمكن الوفدان من حلها خلال المفاوضات الحالية. وأبدى وفدا البلدين طبقاً لتعميم صحافي تلقته (الأهرام اليوم) مرونة كبيرة في جولة المفاوضات الحالية حول عدد من القضايا الخلافية بينهما، ويتوقع أن يتم توقيع اتفاق في قضايا الجنسية وترسيم الحدود، على أن تترك المناطق الحدودية الجنوبية التي تسيطر عليها الحكومة السودانية للقمة الرئاسية لاتخاذ قرارات سياسية بشأنها بما في ذلك منطقة (أبيي). وطلبت الخرطوم من وفد جوبا الاتفاق على عقد قمة رئاسية تجمع البشير وسلفاكير في أقرب وقت للاتفاق حول القضايا التي لم يتم فيها اتخاذ قرار من الوفدين وتتطلب تدخل المستويات الأعلى في الدولتين. ويذكر أن البشير كان قد وعد سلفاكير في أول وآخر زيارة له إلى الخرطوم في أكتوبر من العام الماضي بأن يزور جوبا، لكن العلاقات توترت بين البلدين وتبادلا الاتهامات في ما يتعلق بالاعتداءات على حدود كل منهما على الآخر. ويتوقع أن يتم رفع المفاوضات للتحضير لتلك القمة. (1) في الجولة الحالية يتوقع أن يتم التوقيع على اتفاقيات اطارية حول قضايا الجنسية، وترسيم الحدود المتفق حولها وتشكيل لجان لبدء ترسيمها بعد التوقيع عليها مباشرة مع تعريف وتحديد للمناطق الخلافية. من جهة أخرى طلبت الخرطوم من جوبا الإسهام في الحملة الدولية بإشراك المجتمع الدولي لمساعدة السودان لحل أزمته الاقتصادية بما في ذلك إعفاء ديونه الخارجية، وقد وجد المقترح موافقة مبدئية من وفد دولة جنوب السودان. كما اتفق الطرفان على تنشيط مذكرة التفاهم حول إيقاف العدائيات بين البلدين التي تم توقيعها في أديس أبابا في نوفمبر الماضي، حيث إن الاجتماع الذي عقد وقتها بين رئيسي الوفدين باقان أموم من دولة جنوب السودان وإدريس محمد عبد القادر من الجانب السوداني كان صريحاً وشفافاً، واتفقا فيه على ضرورة أن تكون هناك جدية منهما لإنهاء التوتر على حدودهما. ويتوقع أن يتم رفع هذه الجولة في حال التوصل إلى الاتفاقيات الإطارية ليتمكن الوفدان من العودة إلى بلديهما لإجراء مزيد من المشاورات وللتحضير لعقد القمة الرئاسية. (2) مباحثات الوفدين تواصلت طيلة الأسبوع الماضي برعاية فريق الاتحاد الأفريقي حول القضايا الخلافية بينهما التي استهلت مطلع الأسبوع الأول من شهر مارس الجاري بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وقد اتفق الطرفان الجمعة الماضي على بداية ترسيم الحدود بينهما في غضون أسبوعين من التوقيع على الاتفاق الإطاري حول الحدود الذي اقترحته الوساطة الأفريقية بقيادة الرئيس ثابو أمبيكي في وقت سابق من بداية الجولة الحالية من المباحثات. وفي ذات الإطار اتفق الطرفان على تكوين لجنة مشتركة من الدولتين مهمتها الأساسية إعداد الإمكانيات اللازمة لترسيم الحدود بين البلدين لتصل منطقة (قوز نبق) بين ولايتي سنار وأعالي النيل على الحدود الإثيوبية في مدة لا تتجاوز ال(45) يوماً يمكن أن تمدد باتفاق الطرفين إذا دعت الضرورة إلى ذلك. أما المناطق المختلف عليها؛ فقد خلص طرفا التفاوض إلى تعريفها وتحديد طولها بينما لم يتفقا على كيفية حل النزاع حولها إذ اقترح وفد جنوب السودان أن تتم إحالتها إلى التحكيم الدولي، فيما اقترح وفد السودان معالجة النزاع حولها عبر آلية سياسية في إطار تسهيلات يقدمها فريق الاتحاد الأفريقي. هذا وسيواصل الوفدان مناقشاتهما بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي حول الحدود. (3) تباحث الطرفان في ذات الجولة حول إمكانية معاودة إنتاج النفط وتصديره عبر السودان حيث اشترط وفد جنوب السودان التوصل إلى اتفاق (تجاري) يشتمل على رسوم عبور، معالجة وترحيل نفط جنوب السودان كما هو معمول في الأعراف الدولية ومتعارف عليه في الصناعة النفطية، وألا يكون الاتفاق مبنيا على الأزمة الاقتصادية التي يعانيها السودان. وفي ذات الإطار اتفق الطرفان على الأجندة التي سيتفاوضان وفقاً لها حول ملف النفط التي اشتملت على ضمان قيام دولتين ناجحتين على أساس التعاون المتبادل بينهما من ناحية، وعلى الاعتراف واحترام سيادة الدولتين بالكف عن النزاع على المناطق الحدودية بينهما بما في ذلك منطقة أبيي والمناطق الحدودية الأخرى. (4) في تصريحات صحفية عقب الاجتماع أشار رئيس وفد دولة جنوب السودان المفاوض باقان أموم إلى ما سمَّاها بالروح الإيجابية التي سادت المباحثات وقال: (الروح كانت إيجابية وسنعود لمناقشة إمكانية التوصل إلى اتفاق إطاري يتضمن رؤيتنا والتباحث حولها كحزمة واحدة لتقديم مساعدة مالية لجمهورية السودان في مقابل اعترافها واحترامها لسيادة جنوب السودان وسلامة أراضيه التي تشمل أبيي وغيرها من المناطق الحدودية). وفي رده على سؤال حول إمكانية استئناف إنتاج البترول رد قائلاً: (بالطبع سنناقش إمكانية معاودة إنتاج البترول وتصديره عبر السودان حال وافق السودان على توفير ضمانات كافية تتطلب وجود طرف ثالث كالصين، الهند وماليزيا لضمان تنفيذه إذا ما تم التوصل إلى اتفاق تجاري، حينها سنقوم بإبلاغ الرئيس سلفاكير ميارديت ومجلس وزراء حكومة جنوب السودان لتقديم الاتفاق إلى البرلمان للمصادقة عليه ولاتخاذ قرار معاودة الإنتاج وتصديره عبر السودان لأنه من اتخذ قرار الإغلاق في المقام الأول). (5) كافة التوقعات تشير إلى نجاح القمة المرتقبة في عاصمة الجنوب (جوبا)، وإحداث اختراقات واضحة أكثر من القمة التي انعقدت في الخرطوم في أكتوبر من العام الماضي. سلفاكير في زيارته إلى الخرطوم وقتها التي استغرقت يومين كان في معيته وفد من (8) وزراء. حيث بدأت أولى جلسات المباحثات المشتركة، وترأس الجانب السوداني وزير المالية والاقتصاد الوطني علي محمود، وترأس وزير رئاسة مجلس الوزراء دينق ألور جانب حكومة جنوب السودان. ووزعت القضايا على ثلاث لجان للتباحث، منها لجنة التعليم، الشؤون الإنسانية، النواحي الأمنية، الحدود، الاقتصاد، وقضايا التجارة والمالية والاستثمار والصناعة والنفط، وتم بحث المسائل الفنية في اجتماعات ثنائية ضمت الوزارات المعنية في الدولتين.