هذا هو عصر سيادة الديمقراطية فقد أصبحت منذ أول التسعينيات تاريخ سقوط الشمولية التي كان أهم وأكبر تجسيداتها النظام الشيوعي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي هي المذهب السياسي الأكثر رواجا وجاذبية. وفي كل العالم الأول الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية ويضم آخرين منهم أوروبا الغربية واليابان ما زالت الديمقراطية هي الثابت الأول. وليس هناك أي اتجاه للمطالبة باستبدالها بمذهب سياسي آخر أو إحداث تغييرات عليها فقد بلغ الاقتناع بها قصاراه وما زالت هناك في هذه البلدان مشكلات وإخفاقات فالنظام الكامل لم يخلق بعد لكنهم يعرفون ويسعون إلى حلها من داخل النظام الديمقراطي أو مع استمراره فالمشكلات والإخفاقات في هذه الأقطار لا دخل لها بطبيعة نظام الحكم. وقد جرب الشيوعيون في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية الديمقراطية بعد زوال الشيوعية ولم تصل ديمقراطيتهم بعد إلى كفاءة الديمقراطية الموجودة في العالم الأول وقد فقدوا بعض المكاسب التي حققها لهم النظام الشيوعي المنهار لكن الارتداد إلى ذلك النظام يبدو مستحيلا فالظاهر هو أن الديمقراطية هناك جاءت لتبقى. وفي العالم الثالث الذي نحن جزء منه فإن الأمر مختلف فنحن مثلا لا نستطيع أن نقيم نظاما ديمقراطيا قادرا على الاستمرار في وجود الحركات المسلحة. والحرب الأهلية تضعف الديمقراطية ثم إن من الجائز ألا يكون المنتصر في هذه الحرب ديمقراطيا مقتنعا بالنظام الديمقراطي. أما الحرب التي بين دولة وأخرى فإنها يمكن أن تدور مع استمرار الديمقراطية في إحدى الدولتين أو فيهما معا وكثيرا ما انتصرت دولة ديمقراطية على دولة شمولية مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولى التي انتهت عام 1918م والثانية التي انتهت عام 1945م ففي الأولى التي اندلعت عام 1914م انتصرت بريطانيا وحلفاؤها على ألمانيا وتركيا والإمبراطورية النمساوية الهنجارية وفي الثانية التي نشبت عام 1939م انتصرت بريطانيا وحلفاؤها على ألمانيا وإيطاليا واليابان. ومن النماذج الشهيرة التي انتصرت عندها في الحرب دولة ديمقراطية على دولة أو دول غير ديمقراطية معظم الحروب العربية الإسرائيلية فقد كانت إسرائيل هي المنتصرة. إن حمل السلاح خارج الجيش والقوات النظامية الأخرى يجعل إقامة نظام ديمقراطي حقيقي قادر على الاستمرار مستحيلا. وهناك أسباب أخرى تلغي أو تعطل نجاح الديمقراطية واستتبابها في العالم الثالث الذي نحن جزء منه ولذلك نجد هناك من يرون ضرورة الالتفات إلى مطالب أخرى مع السعي في نفس الوقت للوصول إلى الديمقراطية. ومن هذه المطالب التنمية والارتقاء بالتعليم والصحة وجعلهما في متناول غالبية المواطنين والعدل ونزاهة الحكم وانضباط الخدمة المدنية وكفاءتها وتوفير فرص العمل للخريجين وتعزيز الهوية الوطنية والنأي عن كل ما يمكن أن يشرخ الوحدة الوطنية وبناء الجيش القوي المعصوم من أي انتماء حزبي و..الخ وبتحقيق ذلك يأتي وقت تصبح فيه الديمقراطية هي المذهب السياسي المناسب في البيئة المناسبة وإذن نسعى ونعمل لإنجاز المطالب التي ذكرناها ونرجو ألا يفهم أحد أننا ندعو إلى تجميد الديمقراطية في الوقت الحاضر.