بعد الانتصار الساحق الذي حققته الديمقراطية ونظامها الاقتصادي الرأسمالي على الاشتراكية باختلاف مدارسها وعلى الاشتراكيين جميعا فإن الاشتراكية لم تختف تماما من الوجود وما زال هناك اشتراكيون وبعضهم حكام ولعل من أشهرهم الآن الرئيس الفنزويلي تشافيز. وقد عاد إلى بلاده بعد أن أجريت له عملية جراحية لإزالة ورم خبيث في جهازه الهضمي وتم إجراء العملية الجراحية في كوبا التي ما زالت اشتراكية يحكمها اليساري المخضرم راؤول كاسترو شقيق اليساري الأشهر الرئيس السابق فيدل كاسترو الذي تربطه بالرئيس تشافيز علاقة حميمة. وسوف يخضع الرئيس تشافيز للعلاج الكيميائي وقال إنه لن يستسلم للمرض وإن منافسيه من السياسيين سوف ينشرون الشائعات المغرضة حول مرضه خلال الفترة الممتدة من الوقت الحالي حتى أكتوبر القادم موعد انتخابات رئاسة الجمهورية. وكان تشافيز وصل إلى الحكم من سنوات عن طريق الانتخابات بينما وصل إليه صديقه كاسترو عام 1959م بالقوة عن طريق الثورة المسلحة وهناك اشتراكيون آخرون غير تشافيز وصلوا إلى الحكم عن طريق الانتخابات وأهمهم وأشهرهم حزب العمال البريطاني والأحزاب الديمقراطية الاشتراكية في أوروبا الغربية وحزب العمل الإسرائيلي. لكن الانطباع العام هو أن الاشتراكيين يصلون إلى الحكم بالقوة عن طريق الثورة المسلحة أو الانقلابات العسكرية وأهم وأشهر من فعلوا ذلك هم الشيوعيون في روسيا عام 1917م وفي أوروبا الشرقية والصين أواخر أربعينيات القرن الماضي ومن أهم وأشهر من وصلوا إلى الحكم بالقوة من الاشتراكيين في الشرق الأوسط البعثيون والقوميون العرب. وقد سقطت جميع هذه التجارب ولم يعد أمام الاشتراكيين سوى أن يذعنوا للديمقراطية ويعملوا من خلالها حيث الانتخابات والتداول السلمي للسلطة والرأي والرأي الآخر. وكانت الاشتراكية منذ مطالع القرن العشرين فكرة واعدة جاذبة مقنعة إلى حد كبير ويرى البعض أنها ما زالت قابلة للتجريب وأن الخلل لم يكن فيها وإنما كان في الاشتراكيين فقد انتشر الفساد والرشوة والمحسوبية في الفترات التي حكموا فيها وكان بعض القادة الاشتراكيين يعيشون كما الملوك من حيث المخصصات والأبهة ومظاهر الترف ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الرئيس اليوغسلافي تيتو الذي حكم بلاده بعد الحرب العالمية الثانية واستمر يحكم حتى أول ثمانينيات القرن الماضي وزار السودان مرتين والزعيم السوفيتي بريجنيف الذي زار السودان أيضا في الستينيات. وجاء في التدليل على الحياة المترفة الملكية التي كان يعيشها بريجنيف أن والدته زارته مرة في الكرملين بموسكو فطاف بها داخل القصر منتشيا ثم صحبها في جولة على بقية القصور وبعد الجولة قال لها: أرايت العز الذي يرفل فيه ابنك؟ وكان ردها بليغا موجعا إذ قالت له: ماذا سوف تفعل عندما يأتي الشيوعيون للحكم؟ وهذه هي مشكلة السلطة وعبئها وخطورتها فما أكثر الاشتراكيين الذين كفوا عن أن يكونوا اشتراكيين بعد وصولهم إلى الحكم وأيضا هناك من الإسلاميين من ابتعدوا تماما عن الإسلام بعد وصولهم إلى الحكم. وإذن فإن العيب أو الخلل ليس في الاشتراكية وليس طبعا في الإسلام لكنه في بعض الاشتراكيين والإسلاميين.