منذ أيام مات أول رئيس جزائري وأحد أبرز أبطال الاستقلال أحمد بن بيلا، وكان معه في قيادة استقلال الجزائر عام 1962م - الذي جاء بعد كفاح مسلح قدم فيه الجزائريون مليون شهيد - رابح بيطاط وحسين آية أحمد ومحمد بوضياف ومحمد خيضر، وبعد أقل من ثلاث سنوات نفذت مجموعة من الضباط والجنود انقلابا عسكريا قاده العقيد هواري بومدين وذهب القادة التاريخيون إلى الظل وحددت إقامة الرئيس بن بيلا ولم يفرج عنه إلا بعد وفاة الرئيس بومدين عام 1979م. ولم يكن الرئيس بن بيلا هو بطل الاستقلال الوحيد الذي لقي ذلك المصير الذي لا يليق ولا يستحقه ففي سوريا أطيح بأبطال الاستقلال بانقلاب عسكري قاده عام 1949م حسني الزعيم وفي ليبيا أطيح ببطل الاستقلال الملك السنوسي بانقلاب عسكري قاده في سبتمبر 1969م العقيد معمر القذافي وهنا في السودان أطيح ببطل الاستقلال الزعيم إسماعيل الأزهري ورفاقه من أمثال الشيخ علي عبد الرحمن ويحيى الفضلي ومحمد أحمد محجوب بانقلاب عسكري قاده في مايو 1969م العقيد جعفر نميري والخ. وما زال الناس يتساءلون عن السر في موقف الانقلابيين من الزعيم إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة والأستاذ محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء، فبينما اعتقلوا الزعيم الأزهري في كوبر فإنهم حددوا إقامة الأستاذ محجوب في منزله بالخرطوم، وكان للشيوعيين في ذلك الوقت نفوذ في النظام الجديد رغم أنهم لم يشتركوا في الانقلاب العسكري الذى أفضى إليه فقد كانوا يعارضون الزعيم ويحملون عليه لتأييده حل الحزب الشيوعي السوداني عام 1965م رغم أن الآخرين أيدوا ذلك الحل. ولم تقتصر النهاية المحزنة لكثير من أبطال الاستقلال على العالم العربي وحده فدول أخرى خارجه لقيت نصيبها من هذه النهايات المحزنة لآبائها المؤسسين، فكأن شعوب العالم الثالث جاحدة ناكرة للجميل لكن هناك من يرون أن تلك النهايات المحزنة لبعض آباء الاستقلال كانت تجسيداً لإحباط عاشره المواطنون جراء عجز حكومات الاستقلال عن ترجمة التحرير إلى تعمير وعدل وفرص وحاضر أفضل ويقولون إن قصر عهودهم يدينهم أي يدين آباء الاستقلال لأن زوال تلك النظم يعني أن الشعوب اقتنعت بأنها لن تحقق آمالهم وتطلعاتهم ولن تحقق لهم الحياة التي يبتغونها. وقد عاششت النظم التي خلفت نظم آباء الاستقلال وقتا أطول وقطعت أشواطا في التعمير والبناء والتنمية وأصبحت الدول مدينة في مجال التنمية والتعمير لأولئك الانقلابيين الذين عصفوا بنظم آباء الاستقلال لكنهم في النهاية عجزوا عن الاستمرار وكانت نقطة ضعفهم الكبرى هي غياب الديمقراطية وكانت الديمقراطية تعود لكنها سرعان ما كانت تختفي ثم جثم الخطر الأكبر وهو الشروع في تفتيت هذه الدول إلى كيانات أصغر والانتقاص من السيادة الوطنية وعودة الاستعمار سواء بشكله القديم المتمثل في الاحتلال العسكري أو بشكله الجديد المتمثل في العقوبات الاقتصادية والحوافز الاقتصادية ورحم الله الرئيس الجزائري أحمد بن بيلا الذي قاد بلاده إلى الاستقلال عام 1962م