عبد المنعم عبد القادر عبد الماجد في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وذات مساء وصل إلى القاهرة شاب جزائري لا يستطع التحدث باللغة العربية إنما يعبر عن نفسه باللغة الفرنسية ويتخذ من ذلك دليلا على جريمة الاستعمار الفرنسي في محاولته لتغييب الهوية الجزائرية عن طريق تغييب اللغة وكان اسم هذا الشاب "مزيانى مسعود" وطلب مقابلة الرئيس عبد الناصر واستقبله بمنزله بمنشية البكري بالقاهرة وقال "مزيانى مسعود" للرئيس جمال عبد الناصر في أول لقاء "إن اسم مزيانى مسعود" اسم مستعار اختاره لنفسه تخفيا من بطش الاستعمار الفرنسى وإن اسمه الحقيقي هو "أحمد بن بيلا" وراح يسرد تصورا لعبد الناصر بل طرح عليه تصورا مفصلا لإمكانيات تحرير الجزائر وطلب مساعدة مصر بالسلاح وكان أحمد بن بيلا أحد قادة المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي، وأوضح لعبد الناصر أنهم مستعدون لبدء العمل المسلح يوم 30 أكتوبر 1954م وتولت القاهرة تسليم الزعيم بن بيلا ما طلبه من الأسلحة وفي الأسبوع الماضي رحل الزعيم أحمد بن بيلا أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال مباشرة بعد صراع طويل مع المرض، والزعيم أحمد بن بيلا كان زعيما وطنيا لم ينحرف بالسلطة لكن المغامرون من هواة المغامرة وأصحاب الطموحات السياسية الذين اصطدموا بالزعيم بن بيلا سياسيا انقلبوا عليه وقام هوارى بومدين بانقلاب عسكري أطاح بالنظام الديمقراطي الذي كان يتزعمه الزعيم أحمد بن بيلا ثم اعتقله وأفرج عنه عام 1980م وخرج من السجن مريضا بعد ضغوط دولية على الدكتاتور هواري بومدين للإفراج عنه وقاد بومدين الجزائر بحكم دكتاتوري باطش حتى وفاته بدء السرطان في ديسمبر عام 1978م بل إن هواري بومدين اعتقل ونفى العديد من خصومه السياسيين بعد انفراده بالسلطة "حكم الفرد" والشيء المفجع أن الذين زج بهم في السجون والمنافي كانوا معه في النضال والكفاح أذكر منهم "حسين آية أحمد" أحد الزعماء التاريخيين للثورة الجزائرية حيث قضى في المنفى 23عاما وعاد إلى الجزائر في 14/12/1989م فقد وقع زملاء الرئيس هوارى ابومدين في الكفاح وقعوا في قيودهم وأودعهم المعتقلات حتى إن أحدهم علق على ذلك بقوله "تحررنا من قيود الاستعمار الفرنسي لنقع في قيود الدكتاتور هواري بومدين" فالدكتاتور قهر الشعب الجزائري الذي خاض معركة الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي سنوات طويلة فالشيء الملاحظ في بعض الدول الإفريقية بعد نيلها الاستقلال تصبح هذه الدول في قبضة حكم الفرد، في كينيا كان هومو كنياتا الذي كان أحد قادة المقاومة ضد الاستعمار البريطاني وعندما نالت كينيا استقلالها أصبح رئيسا لها وانفرد بالسلطة وكذلك يوغندا بعد الاستقلال أصبح كوامى نكروما الذي تزوج السيدة "فتحية" وهي مصرية الجنسية كذلك انفرد بالسلطة وأصبح دكتاتورا وزج بمعارضيه في السجون وفي الكنغو كان الرئيس باتريس لوممبا رئيسا للوزراء في جمهورية الكنغو وكان نظامه ديمقراطيا فاغتالوه وكان العميل مويس تشومبى وراء عملية اغتياله. وإن الزعيم أحمد بن بيلا كان زعيما ديمقراطيا له حيوية المجد التاريخي وهي حيوية لم يلتفت إلى حقيقة قوتها من يكتبون عنها فقد قاد الزعيم بن بيلا البلاد بعد الاستقلال إلى ساحة الديمقراطية لكن أعداء الديمقراطية "خفافيش الظلام" لا يمكن لهم أن يعيشوا في النور فقاموا بانقلابهم العسكري وأطاحوا بالنظام الديمقراطي الذي كان برئاسة الزعيم بن بيلا وهكذا هو حال الدول الإفريقية متى ما أخذت الاستقلال تدخل في حلبة الانقلاب العسكري وشهوة السلطة تدفعهم للمغامرات وإدخال البلاد في قوقعة وظلام الانقلابات العسكرية فالجزائر عاشت في هجير نظام الدكتاتور هواري بومدين سنوات طويلة بينما ظل العديد من القادة الذين قادوا معركة الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي ظل أكثرهم موزعين بين السجون والمنافي بالخارج فبطش أبومدين بالعديد منهم الذين قاسموه لقمة العيش من خلال سنوات النضال ضد الاستعمار الفرنسي لكن شهوة السلطة على روح الدكتاتور فبطش بالمئات من المناضلين الشرفاء ولكن من يحجب النور عن عينيه فلن يضير النور وإنما يضير نفسه، إن استقلال الجزائر لا يعني أنتظل الجزائر بعد الاستقلال تحت قبضة حكم الفرد والازالت الجزائر تعانى من حكم الفرد والقمع لمعارضي الرأي وشتان ما بين نظام الزعيم أحمد بن بيلا سليل الدولة الوطنية والأنظمة الدكتاتورية التي تعاقبت على حكم الجزائر بعد الزعيم أحمد بن بيلا تلك الأنظمة الباطشة التي عفا عليها الزمن فتقهقرت إلى أراشيف المختصين وأضابير الدارسين، رحم الله الزعيم أحمد بن بيلا بقدر ما قدم لوطنه وشعبه بعد الاستقلال فهو حتما كان زعيما وطنيا ثوريا سار بوطنه على درب الديمقراطية وكان يمكن أن يجعل من الجزائر النموذج الديمقراطي الأصيل بين الأنظمة العربية، لكن أعداء الحرية لم يمهلوه، وكان يرى في الجزائر أرض المستقبل للديمقراطية إذ إن حياته كانت حافلة بالعمل والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي وقد كانت لها روعتها وجمالها رغم أنها كانت مخضبة بالدماء في معركة الاستقلال فقد كان الراحل بن بيلا أحد قادة الاستقلال رحمة الله بل كان بطل الاستقلال حينما كان يقود مع رفاقه في الكفاح معركة الاستقلال على أرض الجزائر أرض البطولة وكأنما لسان حالهم يقول: يا فؤادي كنت في وطني المفدى في الجزائر في أرض البطولة؟