بهرام عبد المنعم (يوي.. يوي.. يوي.. يووووووي).. زغرودة قوية عانقت عِنان السماء انطلقت من حنجرة سيدة عشرينية تُدعى أماني الباشا أمام مبنى جهاز الأمن والمخابرات الوطني؛ في أعقاب إعلان وزير الدفاع الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين تحرير (هجليج) بقوة السلاح في الساعة الثانية والثلث ظهر أمس (الجُمعة). السيدة السودانية أطلقت زغرودتها أمام مجموعة من قوات جهاز الأمن وطفرت من عينيها دمعات غزيرة سالت مدراراً من عينيها، وطفقت تُهلّل وتُكبّر في وجه من وصفتهم ل(الأهرام اليوم) بالجنود الأشاوس الذين استردوا كرامة الشعب السوداني، وتحرير أرض عزيزة من أيدي الجيش الشعبي والحركات المسلحة الأخرى التي تنتمي إلى الجبهة الثورية. المشهد في شوارع الخرطوم أشبه بلوحة رسمها فنان عميق الرؤية لامتزاج وانصهار كافة شرائح الشعب السوداني في بوتقة واحدة تُسمى الوطن (السودان) ولا شيء سواه. تناسى الناس مراراتهم الشخصية وهموهم الحياتية من مأكل وملبس ومشرب واتجهوا صوب القيادة العامة للقوات المُسلحة ومبنى جهاز الأمن لمؤازرتهم في حربهم ضد دولة جنوب السودان والحركات المسلحة الأخرى التي فتحت جبهات قتال كثيرة في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور. (1) الجولة السريعة للصحيفة في الشوارع الرئيسة والفرعية للعاصمة الخرطوم، كشفت عُمق الفرحة التي انسربت إلى نفوس الشعب السوداني كنسمة هواء باردة فرحاً وابتهاجاً باسترداد منطقة (هجليج). نساء وأطفال شيوخ وشباب راجلين وراكبين خرجوا من منازلهم رغم حرارة الشمس الملتهبة تعبيراً عن فرحتهم بانتصار القوات المسلحة في حربها بولاية جنوب كردفان، الكل كان مُوشحاً بأعلام السودان وأغصان الأشجار والزهور والورود؛ في مشهد نادر الحدوث لن تشاهده إلا بعد الانتصارات التي تحققها الكرة السودانية بين الفينة والأخرى في المحافل الدولية. (2) مجموعات تُقدَّر بالمئات خرجت في الشوارع في مسيرات وتظاهرات (عفوية) خرجت وجابت الشوارع في العاصمة الخرطوم فرحاً ونشوةً بانتصار القوات المسلحة والدفاع الشعبي والقوات النظامية الأخرى بتحرير (هجليج) بعد معارك وُصفت بالضارية مع الجيش الشعبي والحركات المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، وردّد المتظاهرون في أجزاء متفرقة من العاصمة الخرطوم شعارات تُمجِّد الجيش السوداني ورفعت المجموعات لافتات تؤكد مساندة الشعب لقواته المُسلحة، وسط دوي حاد ل(أبواق) السيارات. اختلط الناس العاديون والجيش والقوات النظامية الأخرى، في مشهد نادر التكرار، وساعدت القوات النظامية أفراد الشعب السوداني بحرية الحركة والسير، ومشاركتهم أفراحهم برفع الأسلحة عالياً ومشاركتهم التهليل والتكبير وترديد الشعارات التي تطالب بإزالة الحركة الشعبية ودحر الجيش الشعبي ودخول العاصمة جوبا. (3) (كل القوة، جوبا جوه).. (تطير، تطير، الحشرة الشعبية تطير)، شعارات تسمعها مرات ومرات من الجموع الهادرة التي اصطفت أمام القيادة العامة للجيش ومبنى جهاز الأمن والمُخابرات الوطني، في مشهد مُهيب تسمع خلاله فقط صوت (النحاس) و(الربابة) وسط الحشود التي تراصت في الشوارع الرئيسة للعاصمة الخرطوم. مواطن يتصبب عرقاً يُدعى عبد الله التوم أبلغ (الأهرام اليوم) أن أسرته خرجت بأكملها بمن فيه الأطفال لمؤازرة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في حربها ضد الأعداء وتشجيعها رفعاً لمعنوياتها لمواصلة مسيرتها في الأيام المقبلة، ونوّه إلى أن استرداد منطقة (هجليج) أدخل الفرحة في نفوسهم رغم الظروف القاسية التي يعيشونها على المستوى المعيشي داخل الأسرة. (4) مثلما تساءل (سايمون تيسدال) في مستهل تعليقه بصحيفة (غارديان) البريطانية عن سبب عدم قيام (كُفلاء) اتفاق سلام السودان بالمُساعدة في منع الحرب بين الشمال والجنوب، تساءلت شابة في الخرطوم تُدعى أماني عبد الله أمس (الجُمعة) في حديثها ل(الأهرام اليوم) عن استمرار الحروب رغم انفصال جنوب السودان؟ وقال تيسدال إن السودان يحترق بينما العالم (يتثاءب)، وأنه مع تزايد وانتشار الصدامات على طول الحدود الشماليةوالجنوبية مما ينبئ بحرب شاملة، تتحدث الأممالمتحدة بغموض عن عقوبات جديدة، وبرلمان الخرطوم يصف السودان الجنوبي المُستقِل حديثاً بأنه (عدو) وحقول النفط تحترق. ووسيط الاتحاد الأفريقي ثابو أمبيكي يشير إلى أنه ليس هناك الكثير الذي يمكن عمله. ونوّه تيسدال إلى أن السودان على ما يبدو لا يرقى إلى مرتبة عالية في ترتيب الشأن العالمي. واعتبر الكاتب هذا الأمر غريباً بالنظر إلى الجهد الهائل الذي بذلته أمريكا وبريطانيا و(الكُفلاء) الآخرون في تأمين اتفاق السلام الشامل الذي أُبرم عام 2005م وأنهى (22) عاماً من الحرب الأهلية