المدمنون على العالم الإسفيري لا سيما رواد الفيس بوك منهم يعرفون جميعا المزرعة التي أعنيها، التي لا تمت للسعادة بصلة، بل إن طلباتها المزعجة التي تتوالى عليهم أصبحت تشعرهم بالاستياء وتحولها في خاطرهم إلى مزرعة (تعيسة). وبإحصائية بسيطة لعدد الذين يداومون اللعب بحرص بالغ يمكنك أن تلاحظ أن هذه المزرعة تجد حظا وافرا من الاهتمام والإقبال بحيث يمضي بعضهم الساعات الطوال متسمرين أمام الشاشات وهم يزرعون ويحصدون ويعدون منتجات الألبان ويرعون أنعامهم ويتعاونون مع جيرانهم لتسيير أمورهم الزراعية عن طريق التسليف والدعم، الشيء الذي يثير الإعجاب بمدى قدرة هذا العالم الافتراضي على العودة برواده إلى أصلهم الإنساني ككائنات اجتماعية متضامنة وهو ما لم يعد متاحا على أيامنا هذه. وهو ما يجعل الأمل عريضا والحلم ممكنا والسؤال مشروعا حول الآلية التي يمكن الاستفادة بها من طاقات هؤلاء الشباب على أرض الواقع؟!!! وهل لديهم الاستعداد الفعلي لممارسة هواياتهم الزراعية تلك على أراضينا الشاسعة الممتدة التي تنادي الزراع المخلصين ليعملوا فؤوسهم فيها ويخرجوا خيراتها الدفينة الثمينة التي بإمكانها أن تغير واقعنا من النقيض إلى النقيض وتجعلنا فعليا سلة غذاء العالم كما ظللنا ندعي ونحلم سنين عددا. ولكن... إلى أي مدى لدى هؤلاء الشباب الاستعداد والحماس للقيام من مقاعدهم أمام الشاشات ليقفوا تحت الشمس في قلب المشاريع؟ لست متشائمة ولكن ربما نحتاج لمعجزة كبرى كي يحدث ذلك. فقد تراجعت همة الشباب بصورة تدعو للحسرة، ولا أحسب أن لديهم الجرأة الكافية لاتخاذ مثل هذا القرار رغم شكواهم الدائمة من العطالة والملل والفراغ والمستقبل المجهول!! ورغم ذلك تجدوني أتمنى لو كان بالإمكان الاستفادة من طاقات هؤلاء الشباب بالإضافة للخبرات (الكبيرة) التي اكتسبوها من فرط ما لعبوا لعبة (المزرعة السعيدة) واهدروا وقتهم الثمين الذي لا يعرفون مقداره وقيمته ولا يفكرون في إنفاقه في ما ينفعهم وذويهم وبلادهم. ويذهب تفكيرنا بعيدا فأحسب أن هذه المزرعة مخطط استراتيجي خارجي يريد به الأعداء والمتربصون إلهاء شبابنا عن الإنجاز والإنتاج واستثمار الوقت وتحقيق الغايات الإيجابية النبيلة. وهي الذريعة المعتادة التي نعلق عليها كل إخفاقاتنا ومثالبنا وإحجامنا عن المبادرة وركوننا (للنوم) بينما يتحرك كل العالم من حولنا ولا يبقى لنا سوى (اللوم) فنلوم زماننا وحاكمنا وأوطاننا ناسين أنفسنا وما اقترفت أيدينا!! وبرغم حنقي على تلك المزرعة المزعجة التي تفسد علينا تواصلنا الإسفيري، إلا أنني أتمنى لو كان بالإمكان فعليا إنشاء العديد من المزارع السعيدة في بلادي، التي ستعود علينا حتما بأكثر مما تحققه من متعة لحظة كمجرد لعبة تسلب العقول وترهق الأذهان وتستبعد اللاعبين الذين اعترف بعضهم بعدم قدرته على الإقلاع عنها. فإما أن نستصلح الأراضي بسواعد هؤلاء الشباب المغلوبين على أمرهم، وإما أن نتوسع في مجال البحث النفسي وعلاج الإدمان وفي الحالتين الخطاب للسادة المسؤولين. تلويح: اقترح تحويل عملة الدينار داخل المزرعة (التعيسة) إلى فئة الجنيه حتى يتمكن المزارعون من إحصاء ثرواتهم بيسر يجعل هذا الوهم أقرب إلى الواقع!!!