بمتوالية هندسية تترى المناشدات الدولية والإقليمية على عاصمتي الدولتين المتحاربتين. عقب اعتداء دولة جنوب السودان على «هجليج» كثّفت أطراف فاعلة في المجتمع الدولي اتصالاتها مع جوبا بغية حثّها على الانسحاب من المنطقة، وهو ما لم تستجب له حتى تمّ الردع الحاسم، من قبل الجيش السوداني الذي دحر الغزاة واستعاد أراضيه عنوةً واقتداراً. بعد اكتمال عملية التحرير توالت مجهودات المنظمات الإقليمية والدولية بغرض إعادة الأمور إلى نصابها، حيث يلتئم مجلس السلم والأمن الأفريقي التابع للاتحاد الأفريقي لمناقشة التطورات، بجانب مساعٍ أخرى يبذلها الاتحاد الأوربي لإعادة وفدي «الخرطوم»و«جوبا» إلى طاولة المفاوضات. على الصعيد الدبلوماسي ذاته كانت الخرطوم قد تقدمت عبر خارجيتها بشكوى رسميّة للاتحاد الأفريقي وطالبته بعقد اجتماع عاجل لمناقشة غدر جوبا، وفي الأثناء جدد الاتحاد الأفريقي دعوته للعاصمتين للكفّ عن العدائيات واستئناف المفاوضات. وبحسب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي «جان بينغ» في بيان له شدّد على ضرورة الوقف الكامل للأعمال العدائية واستئناف المفاوضات فوراً بين دولتي السودان وجنوب السودان، وطالب البلدين بالانصياع إلى مصالح بلديهما وشعبيهما على المدى البعيد وتحمل مسؤوليتهما تجاه المنطقة وبقية مناطق أفريقيا والمجتمع الدولي. الأنباء القادمة من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا؛ أفادت بأن مجلس السلم والأمن الأفريقي من المحتمل أن يناقش في اجتماعاته اليوم (الثلاثاء) التصعيد الأخير بين الدولتين. من جهته يعقد الاتحاد الأوربي على مستوى وزراء الخارجيّة اجتماعاً اليوم «الثلاثاء» في العاصمة البلجيكية «لوكسمبورج» سيتم من خلاله التباحث حول تطورات الوضع والتوترات بين دولتي السودان وجنوب السودان، فيما أبلغت مبعوثة الاتحاد الأوربي بالسودان «روزاليد مارسون» أمس الأول الحكومة بسعي الاتحاد الأوربي لإعادة وفدي «الخرطوم»و«جوبا» إلى طاولة المفاوضات ودفع الدولتين لإقامة علاقات طبيعية لصالح شعبي البلدين. الخرطوم أكدت مشاركتها في اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي، معربةً عن أملها أن يخرج بنتائج جديدة بشأن النزاع، وتمسك بشروطه التي وضعها للتعامل مع دولة جنوب السودان التي بدونها ستكون المفاوضات مضيعة للوقت. وبحسب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير العبيد أحمد مروح، الذي استنطقته (الأهرام اليوم) حول الموضوع فإنّ السودان سيشارك في الاجتماع بوفد رفيع المستوى يترأسه وزير الخارجية علي كرتي، وأن الموضوعات التي سيناقشها الاجتماع بينها موضوع الاعتداء على «هجليج»، مضيفاً أنّ الشكوى التي تقدم بها السودان ستُناقش على مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء ال15 في المجلس التي تجتمع على المستوى الوزاري. وحول اجتماعات وزراء الخارجيّة الأوربيين اعتبر الناطق الرسمي للخارجيّة أنّ الاتّحاد الأوربي ليس له علاقة مع السودان الذي اعتبره لا ينتمي إلى منظومة الاتحاد الأوربي، إلا أن العبيد عاد وقال إن الاتحاد الأوربي يمكن له أن يلعب دوراً إيجابياً ويدعم الأدوار التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي بشأن القضايا المطروحة للنقاش والمساعدة في حلّها. عودة العلاقات مع دولة الجنوب اعتبرتها الخارجية رهناً لستة شروط على جوبا الامتثال لها، في مقدّمتها تعويض السودان عن كافة الأضرار والخسائر الناجمة جراء احتلالها لهجليج، والمطالبة بدعم فني لتقدير الخسائر، بجانب اعترافها الصريح بحدود 1/1/1956م، والكف عن اعتداءاتها المتكررة على الأراضي السودانية وفكها للارتباط مع الفرقتين التاسعة والعاشرة اللتين تتبعان للجيش الشعبي وتعملان جنباً إلى جنب مع قوات (الحلو) و(عقار)، بالإضافة إلى الاعتراف بالاتفاقيات الستّ التي تم توقيعها في المجال الأمني. في السياق من المتوقع أن يكون الوسيط الأفريقي «ثابو أمبيكي» حط رحاله بكل من الخرطوموجوبا أمس (الاثنين) لحث البلدين على استئناف المفاوضات والتوقيع على اتفاق وقف العدائيات بينهما، وتوقعت بعض المصادر أن يعقد أمبيكي سلسلة من اللقاءات مع الرئيس البشير وسلفاكير، ولقاءات أخرى مع وفدي التفاوض للبلدين بغرض إقناع الطرفين باستئناف التفاوض يوم الخميس المقبل، التي من المتوقع أن تحظى بحضور دولي على رأسه المبعوث الأمريكي «برنستون ليمان». في المقابل قطع حزب المؤتمر الوطني بعدم الدخول في مفاوضات مع دولة الجنوب إلا بعد تحرير جميع الأراضي السودانية من جيوب التمرد والقوات الأجنبية التابعة لدولة الجنوب في ولايات «جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور» وتحريرها بالكامل. التصريحات الصحفية لمسؤول الأمانة السياسية بالوطني حسبو محمد عبدالرحمن أمس الأول حملت أنّ القطاع السياسي بالحزب أقر عدم الدخول في مفاوضات مع «جوبا» إلا بعد إكمال عملية التحرير التي قطع الحزب بتنفيذها، فضلاً عن ذلك أقر القطاع السياسي بالوطني الاتصال بالمنظمات الدولية لاتخاذ قرارات رادعة تجاه دخول قوات الجيش الشعبي لدولة الجنوب إلى منطقة «هجليج»، وربما يريد الوطني بتهديده بعدم الدخول في مفاوضات مع«جوبا» رفع سقوفاته التفاوضية بغرض دفعها لتقديم تنازلات بخصوص القضايا العالقة في حال دخول الطرفين لمفاوضات جادة بينهما، وفي هذا المنحى يرى مراقبون لتطور الصراع بين البلدين أن الاتفاقيات التي سيتم توقيعها بينهما في المستقبل بحاجة لإرادة سياسية للبلدين والالتزام بما تم الاتفاق عليه، وهي مسألة مرتبطة بديناميكية الواقع السياسي المعقّد، فضلاً عن المصالح الحيوية لمراكز القوة المتنفذة عند البلدين وما يفرضه الواقع نفسه عليهما من تنازلات حفاظاً على مصالحهما