قبل الحديث عن موقف الحكومة، نقول إنه من غير المناسب ولا المعقول والمقبول، أن يعلن الاتحاد الإفريقي عن استئناف المفاوضات بين السودان ودولة جنوب السودان خلال أسبوعين، كما خرجت قرارات مجلس السلم والأمن الإفريقي الذي التئأم أمس الأول في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا... وتخطئ مفوضية الاتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن التابع لها، إن ظنت أن السودان يجب أن يأتي مهرولاً لاستئناف ومواصلة الحوار مع حكومة دولة الجنوب بعد الذي حدث في هجليج والهجمات المتكررة في تلودي... من العبث أن يطمر الاتحاد الإفريقي كل هذه الأخطاء والاعتداءات بتراب، ثم يُعلن عن بدء المفاوضات كأن لم يحدث شيء ولا سالت دماء ولا تم تخريب مرافق ومنشآت البترول، فالقضية ليست هي طلب التفاوض في ذاته كما يفعل مجلس السلم والأمن الإفريقي، الذي يريد المفاوضات في صورتها الشكلية وتصبح فيه مطلوبة لذاتها، القضية أكبر من هذا، هي قضية مبدئية، سبق أن أشار إليها رئيس الجمهورية قُبيل تحرير هجليج «يا نحن في جوبا يا هم في الخرطوم»، صار من الصعب جداً تعايش الدولتين في ظل وجود الحركة الشعبية في الحكم متربِّعة عليه في دولة الجنوب، في وقت لا تقبل فيه هي ولا القوى الدولية التي تقف وراءها بقاء السلطة الحالية في السودان ولا تستطيع التعامل مع الخرطوم إلا إذا كان الحكام هم عملاؤها من فلول ما يسمى بالحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق وحركات دارفور العميلة المتمردة... ثم إنها تحولت لأزمة ثقة أيضاً لا ينفع معها عطارو الاتحاد الإفريقي مهما صنعوا وابتدعوا.. بات من العسير أو صار رابع المستحيلات، بعد أن بلغت القلوب الحناجر، أن يتم التصافي والتصالح بين السودان وحكومة دولة الجنوب ونسيان ما جرى ثم التفاوض والوصول لاتفاق وتعود المياه جارية في مجاريها!! فليس من المناسب ولا من الحكمة ولا القراءة والنجاعة السياسية الدقيقة، التقاط مجلس السلم والأمن الإفريقي دعوة مجلس الأمن الدولي في ذات اليوم أول من أمس وإصدار توجيهاته ببدء التفاوض بعد أسبوعين ورسم خارطة طريق للبلدين في إطار زمني ثلاثة أشهر لوقف العدائيات وعدم دعم مناوئي كل طرف وترسيم الحدود وتفعيل آليات مراقبة الحدود... ولذلك فإن الدماء وخاصة دماء شهداء السودان لا تزال طازجة والحرائق لم تزل تنفث حممها وأدخنتها والأعطال الناشئة من التخريب لم تصلح بعد وهناك مناطق لا تزال محتلة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، فعلام يبدأ تفاوض جديد ولِمَ يتم من الأساس مع دولة الجنوب بعد أن وصل حد السكين العظم؟؟ أما الموقف الحكومي، فلم يفهم بعد مرامي وأبعاد وحدود ما قاله وزير الخارجية السيد علي كرتي بعد خروجه من اجتماع مجلس السلم والأمن الإفريقي الذي ناقش شكوى السودان ضد دولة الجنوب، فقد أعلن عن استعداد السودان لإجراء محادثات مع جنوب السودان بشأن القضايا الأمنية لمنع العودة للحرب الشاملة بعد استمرار الاشتباكات على مدى أسبوعين!! الغريب أن حديث الوزير السوداني لم يكن دقيقاً في وصفه لما حدث من احتلال هجليج ومحاولات احتلال كادوقلي والهجوم على الميرم وسماحة ومناطق بحر العرب والاعتداء على أم دافوق بواسطة عملاء الحركة الشعبية، فقد وصف ما جرى خلال الأسبوعين الماضيين بالاشتباكات!!! وهو غير ذلك.. لكن المهم هو أن لا تورطنا الحكومة بعد إعلان البرلمان وقف التفاوض مع دولة الجنوب، وربط الرئيس وقيادات الدولة لأي تفاوض، بعد تحرير كل شبر من الأراضي التي توجد فيها قوات الجيش الشعبي التابع لدولة الجنوب ومرتزقته داخل بلادنا.. وقال الرئيس في هجليج بعد تحريرها نتفاوض معهم بلغة واحدة يفهمونها هي لغة السلاح فقط!! خلاصة القول.. على الحكومة أن لا تجامل يجب أن تكون صريحة لا تفاوض ولا عودة لأديس أبابا ما لم تذعن جوبا، وما الذي جنيناه يا سيادة وزير الخارجية من مناقشة القضايا الأمنية؟! ألم يكن وفدنا الذي يضم وزيري الدفاع والداخلية ومدير عام جهاز الأمن وقيادات عسكرية يناقش هذه القضايا في أديس وعاد الوفد للخرطوم وأيام قلائل وجيش الحركة يحتل هجليج؟!..