صديقنا وإمام جمعتنا وجماعتنا التشكيلي عبد المنعم الزين، هو بالكاد خريج كلية الفنون الجميلة. ذكرت له أكثر من قصة هنا وهو لصاحب الملاذات بمثابة (تيمان برقو الما بتفرقو)، وكثيراً ما يمدني بخطوط وأفكار أُشيد بها بعض ملاذاتي وأعمدتي الصحافية، وفي المقابل قليلاً ما أوفر له أفكاراً وأطروحات ينهض على متنها على منبر الجمعة، وذلك بما يشبه الشراكة الفكرية. ولعبد المنعم أفكار مثيرة للجدل، كما لصديقنا الأستاذ علي محمد يسن. فمنذ أيام اجتمع بمكتبي الرجلان يسن والزين، فقلت لهما مازحاً (لا يمكن أن أجلس بين زنديقين)! فالأخ الأستاذ علي يسن الذي عرفته منذ أيام الدراسة، يدفع هذه الأيام ثمن أفكاره الجريئة ولم أعلم عنه إلا خيراً، وهذه قصة سنعود إليها في حينها. { قلت لصديقي التشكيلي عبد المنعم الزين، وأنا ساعتئذ أموِّله بفكرة هائلة لخطبة الجمعة الفائته أرجو منك في هذه الخطبة أن تطرح فكرة عملية. فغالباً ينفض المصلون بعد الجمع ببعض ذكرى الترهيب والترغيب على أن (تقرِّش) هذه الجمعة. قال كيف؟.. قلت أن تطرح للمصلين قصة تلك المرأة الفقيرة بالحي أن توظف كل الخطبة لصالح تمويل مشروع يكون مصدر رزق لها ولأسرتها، وهي أرملة ويتيمة ومسكينة، وتسكن في بيت تحيط به غابات من الأسمنت. المهم في الأمر قد قمت برسم فكرة كروكية وثقتي أن الرجل التشكيلي كما العهد به سيُكمل باقي اللوحة. { فذهبت إلى الجمعة مبكراً، فجاء صديقي الخطيب التشكيلي إلى خطبة الجمعة وهو يحمل صندوقاً، وضعه أسفل المنبر ثم صعد إلى الخطبة. فحدَّث المصلين عن أدب التكافل مستشهداً بالآيات والأحاديث الشريفة التي تُعزز هذا الأدب، ثم دلف إلى موضوع المرأة، فقال إن هذه المرأة بإمكانها أن تذهب إلى أناس خيِّرين خارج الحي فيساعدونها على إقامة صلب أسرتها وبيتها، لكنها في المقابل بهذه الثقافة ستهد مضامين مجموعة من بيوت القيم وستكون حجة عليكم يوم القيامة. ستوردكم بيوتاً من نار! فليس منا من بات شبعان وجاره إلى جنبه جوعان وهو يعلم. وأنتم الآن تعلمون قصتها، وأمامكم خيار واحد ألا تخرجوا حتى تمروا على هذا الصندوق كلٌ بما يملك. وهنالك فرصة للذين تركوا أموالهم وراء ظهورهم، يمكث هذا الصندوق يوماً بأكمله فما أن انتهت الخطبة، حتى تزاحم المصلون أمام الصندوق ليفدوا أنفسهم، ونجحت الفكرة. فقلت والحال هذه، لماذا لا تكون هنالك خطب عملية كأن تنتهي بعض الخطب إلى نظافة الحي أو تفضي إلى تشييد منزل صغير بعضهم بماله وبعضهم (بضراعه)، فكلٌ ينفق مما عنده أو كأن يذهب كل المصلين إلى المعتمد بمنزله لإزالة بيت مشبوه أو تفعيل عربة النظافة أوإصلاح طريق أو لانقطاع إمداد ماء، ويمكن أن تتطور (جُمَع الأحياء) إلى صناعة (ربيع محدود) كأن تكون جمعتنا الفائتة هي (جمعة الأرملة)، وجمعة المدرسة، أنا لم أقل هنا (جمعة الغضب) .. أعوذ بالله من الغضب .. أن تتبنى خُطب جمعنا وجمعاتنا مشروعات عملية. { مخرج أول : أحد المصلين قال إنه لم يدرك الخطبة، فقلت له هل أدركت الصندوق؟، صندوق الأرملة.. قال نعم .. قلت فمن أدرك الصندوق فقد أدرك خيراً كثيراً. { مخرج ثانٍ: أكثر من مرة صعد الخطيب عبد المنعم الزين إلى منبر الجمعة ليُفرِّغ (فكرة عمود ملاذات)، وذلك في إطار تبادل الأفكار. فقال لي عمنا الأمين عوض الله ، سادن المسجد والمؤذن، لا تُتح له فرصة لقراءة مقالاتك ليحكيها لنا في المسجد ونحن نقرأ المقال في الجريدة وفي المسجد يا جماعة. { مخرج أخير: كلها منابر إصلاح فنحن في منابر الصحافة أحوج ما نكون إلى أن نستشعر قيمة (نون والقلم وما يسطرون). اللهم فاجعل أقلامنا حجة لنا ولا تجعلها حجة علينا. وقوموا إلى واجباتكم يرحمكم الله