بعد اعتداء دولة الجنوب على منطقة هجليج في العاشر من أبريل الجاري، دخلت مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية في تضارب للمواقف تلته تصريحات متناقضة بشأن الاعتداء على المنطقة، وتناقض المواقف بين البرلمان السوداني ووزارة الخارجية كان واضحا حيث سمّى البرلمان حكومة الجنوب عدوا للسودان، بينما أكدت وزارة الخارجية على لسان وكيلها السفير رحمة الله محمد عثمان فور إعلان تحرير المنطقة، الالتزام بمبدأ تسوية المنازعات بين البلدين بالوسائل السلمية والمحافظة على علاقات طبيعية مع جوبا التي اعتبرتها الخارجية ستكون وفقا لالتزامها بالاتفاقيات المبرمة بين البلدين. الخارجية يبرّر البعض اختلاف مسارها عن البرلمان لكونها تمارس "الدبلوماسية" وتعمل على رعاية المصالح الوطنية في السلم والحرب. وبرز التناقض بين البرلمان والخارجية عقب الاعتداء، حيث قرر البرلمان إيقاف المباحثات مع حكومة الجنوب وسحب الوفد المفاوض فوراً من العاصمة الإثيوبية، وشدد رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر في جلسة خصصت لهذا الشأن على ضرورة اعتبار الحركة الشعبية في جنوب السودان العدو الأول للسودان، واعتبر البرلمان السوداني حكومة جنوب السودان عدواً للسودان، وعلى مؤسسات الدولة السودانية معاملتها وفقاً لذلك، وقرر البرلمان بإجماع عضويته هذا القرار، وفي السياق أعلن رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر أن السودان سيصادم الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان حتى ينهي حكمها، مضيفاً بالقول: "سنعمل للملمة كل مواردنا لتحقيق هذا الهدف". في السياق دعا تقرير لجنة الدفاع والأمن الذي أجازه البرلمان إلى ضرورة تأسيس إستراتيجية وطنية واضحة للتعامل مع حكومة جوبا وإيقاف التفاوض مع الحركة الشعبية وحكومتها مع استمرار التفاوض معها في المسائل العسكرية بهدف إخراج ما تبقى من قواتها من تراب الوطن، وطالب التقرير بتصنيف حكومة الجنوب باعتبارها معادية للسودان وتعليق الحوار معها. الدبلوماسية السودانية بدورها تضامنت في موقفها المبدئي مع ما ذهب إليه البرلمان وقررت عدم التفاوض مع دولة جنوب السودان حول القضايا المتبقية، وجاء رفض التفاوض مع الجنوب على لسان وزير الخارجية السوداني علي أحمد كرتي الذي قال: "لن نتفاوض على أي موضوعات معلقة مع دولة الجنوب غير القضايا الأمنية أولا"، وأشار كرتي إلى تضرر السودان من ما قامت به حكومة الجنوب بإغلاق آبار النفط والهجوم على هجليج وإيقاف الضخ وحرق المنشآت المهمة والحساسة في المنطقة، إلا أن كرتي عاد ورحب بالقرار الصادر من مجلس السلم والأمن الأفريقي واعتبره استجابة بشكل إيجابي وكبير لما طالب به السودان بإعطاء الوضع الأمني أولوية قصوى، كما طالب بحل سريع للقضايا العالقة. غير إن وزير الخارجية السودانية علي كرتي أعلن عقب عودته من اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقي استعداد السودان لإجراء محادثات مع دولة جنوب السودان، وأضاف أن السودان مستعد لمنح الأولوية لقضايا الأمن والسلام. وكان اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقي خلص إلى خريطة طريق للدولتين في إطار زمني يبدأ بإيقاف العدائيات فورا وانسحاب الجيش الشعبي من كل الأراضي السودانية ومنع دعم المجموعات المتمردة والمعارضة في البلدين بجانب الإسراع في ترسيم الحدود وتدعيم آليات مراقبة الحدود والشؤون السياسية والأمنية، وخرج الاجتماع بضرورة أن تبدأ المباحثات بين البلدين خلال أسبوعين. في ذات الاتجاه لم تقف وزارة الخارجية السودانية موقفاً متصلباً تجاه التعامل والتفاوض مع "جوبا" بل قامت بوضع "6" شروط لعودة العلاقات مع دولة الجنوب تمثلت في التعويض عن كافة الأضرار والخسائر الناجمة جراء احتلال منطقة هجليج والمطالبة بدعم فني لتقدير الخسائر، بجانب اعترافها الصريح بحدود 1/1/1956م والكف عن اعتداءاتها المتكررة على الأراضي السودانية وفك "جوبا" للارتباط مع الفرقتين التاسعة والعاشرة اللتين تتبعان للجيش الشعبي وتعملان جنبا إلى جنب مع قوات "الحلو وعقار" والاعتراف بالاتفاقيات الست التي تم توقيعها في المجال الأمني. أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين البروفيسور حسن الساعوري يرى أن الحديث عن تناقض في المواقف بين البرلمان ووزارة الخارجية السودانية هو حديث غير سليم، وأضاف في إفادة خصّ بها (الأهرام اليوم) التي استنطقته حول المسألة: إن حديث البرلمان عن أن دولة الجنوب أصبحت دولة عدوا حديث صحيح، لكن الدولة العدو يمكن مفاوضتها. ونبه إلى أن حديث البرلمان لا يعني إغلاق باب التفاوض، مشيرا إلى أن الحديث قيل في سياق محدد وفي لحظات غضب، ونبه الساعوري إلى أن وزارة الخارجية، عليها دور الدبلوماسية وما تقوم به هي الطريق الصحيح لالتماس المصالح. الاتحاد الأفريقي الذي تنضوي تحته دولتا السودان وجنوب السودان بدوره قاد مجهودات مكثقة بغية عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، ولم يقف عند المجهودات التي قام بها بل هدد الدولتين المتنازعتين باستصدار أحكامه الملزمة الخاصة في حالة عدم توصل البلدين لاتفاق حول الخلافات الناشبة بينهما خلال ثلاثة أشهر وطالبهما باستئناف المحادثات خلال أسبوعين، فيما أعلنت الحكومة السودانية موقفها تجاه طرح الاتحاد الأفريقي وأكدت عدم رفضها للفترة الزمنية التي اقترحها بيان مجلس الأمن والسلم الأفريقي بإيجاد حلول لكافة المشكلات مع دولة الجنوب، وإلى جانب ذلك أكدت وزارة الخارجية السودانية أن عامل الزمن الذي طرحه الاتحاد الأفريقي لا يشكل هاجسا للخرطوم بقدر ما تمثل رغبة جوبا الحقيقية في الوصول لتفاهمات الهاجس الأكبر، وطالبت الخارجية الاتحاد الأفريقي بممارسة أقصى درجات الضغط على جنوب السودان للجلوس لحل القضايا العالقة، إلا أن الخرطوم بدورها دفعت ببعض تحفظاتها ووصفت غريمتها بأنها غير جادة في إيجاد حلول ناجعة للقضايا العالقة، وفي هذا السياق أوضح وزير الخارجية علي أحمد كرتي أن مجلس الأمن والسلم الأفريقي تحدث عن خطة للتفاوض، وشدد على أن الأمر برمته يرتبط بإرادة دولة الجنوب في تسوية ملف المسائل الأمنية، واستدرك قائلا لكن "إن ظلت المسألة هكذا لن يكون هناك تفاوض" واشترط كرتي اعتراف جوبا بعدد من الخروقات التي تقوم بها تجاه الخرطوم.