* سنمار مهندس نبطي من سكان العراق، كلفه النعمان ملك الحيرة ببناء قصر الخورنق، فاجتهد وشيّد تحفةً معمارية أعجبت الملك، لكن المهندس تعجل بالحديث عن أنه يستطيع بناء أجمل مما أنجز، وادعى أنه يعلم موقع حجرٍ لو أُزيل لانهد القصر كله، فما كان من الملك إلا أن أمر بإلقائه من أعلى المبنى كي يلقى حتفه ولا يبني أفضل مما بنى، ولا يخبر أحداً بموضع الحجر. * قصة سنمار تنطبق على محمد أحمد الغلبان مع الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء الذي استجاب بكل بساطة في جلسته الأخيرة للطلب المقدم من وزارة المالية، ووافق على رفع الدعم عن المحروقات، بدعوى أنها تحمّل الميزانية العامة مبلغ (490) مليون جنيه سنوياً! علل الوزير طلبه الرامي إلى مراجعة موازنة العام 2012م بعدم تحصيل رسوم تصدير نفط دولة الجنوب، والصرف الإضافي على الأوضاع الأمنية في الحدود مع دولة الجنوب. * بدءاً نذكر أن وزارة المالية بادرت بطلب رفع الدعم عن الوقود قبل احتلال هجليج، ورفض البرلمان طلبها، وأمرها بالبحث عن حلول أخرى، بخلاف المسارعة إلى تحميل المواطن البسيط تبعات الفشل البائن في وضع موازنة حقيقية، تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية للسودان. * إجازة رفع الدعم عن الوقود بهذا التعجل المخل تشكل أسوأ مكافأة لشعبٍ تعالى على جراحاته النازفة، وقدم أروع ملحمة دعماً لحكومةٍ أفقرته بأخطائها الكبيرة، وأثقلت على معاشه، ونغصت عليه صحوه ومنامه بالصرف البذخي، والغلاء الفاحش، والجبايات المتنوعة، ولم يكفها كل ذلك فأردفته بإجازة رفع أسعار الوقود التي تنعكس عادةً على أسعار كل السلع، وفي مقدمتها مكونات (قفة الملاح). * لماذا تجبر وزارة المالية المواطن على تحمل كلفة الإنفاق على الحرب مع الجنوب؟ * ولماذا يدفع فاتورة إيقاف الجنوب لضخ بتروله عن طريق الشمال؟ * وهل بحثت وزارة المالية خيارات أخرى تجنبها شرور الإثقال على البسطاء بزيادة أسعار الوقود؟ * لماذا لا تراجع موازنتها المثقوبة برفع (الدعم) عن الصرف الحكومي المتضخم؟ * وما الذي يمنعها من الضغط باتجاه (رفع الدعم) عن الفساد الذي يلتهم المليارات من أموال الشعب السوداني كل عام دون أن يجد من يكبح جماحه ويستر عورته؟ * ولِمَ لا توصي برفع الدعم عن الحزب الحاكم وأحزاب الحكومة العريضة التي تكلف خزانة الدولة مبالغ يستحيل حصرها، ويصعب تقديرها؟ * هل هناك حاجة لأهل السودان بأكثر من سبعين وزيراً اتحادياً وعشرات الولاة ومئات الوزراء الولائيين، والمعتمدين والمستشارين والآلاف من أعضاء المجالس التشريعية الولائية ومن تبعهم بإسراف إلى يوم الدين؟ * لماذا لا تطلب وزارة المالية رفع الدعم عن وزارات استحدثت من العدم، وتناسلت لتبتلع المليارات على هيئة مخصصات ومقار وسيارات فاخرة وصرف رأسي لا حدود له سعياً إلى إرضاء أحزاب وطوائف وقبائل؟ * ألا يكفي فقراء السودان الذين يمثلون غالبية الشعب أنهم اضطروا إلى دفع كلفة تصاعد سعر العملة الصعبة، التي انعكست على هيئة غلاء فاحش لكل السلع دون أن يكون لهم يد فيها؟ * هل يعلم السيد وزير المالية كم يبلغ ثمن رطل السكر حالياً؟ * وهل يدري كم كان سعره قبل شهور من الآن؟ * قبل شهرين كان سعر علبة لبن البودرة (80) جنيهاً، وتصاعد فبلغ (135) جنيهاً، وكان ثمن كيلو العدس ستة جنيهات فارتفع إلى عشرة، وكان ثمن كيلو الأرز أربعة جنيهات فبلغ عشرة، وقفز سعر رطل الزيت من أربعة جنيهات إلى سبعة، وصعد ثمن علبة الصلصة من أربعة جنيهات إلى ستة! * حدث هذا بسبب تصاعد سعر الدولار، فأي سقف سيحطمه الغلاء بعد رفع أسعار الوقود؟ * رسم الشعب السوداني لوحةً وطنية خالدة فرحاً بنجاح الجيش في تحرير هجليج، فكتب الكتُاب يطالبون الحكومة بمكافأته برفع المعاناة عن كاهله، وكان الرد جزاء سنمار! * لسان حال المواطنين الغلبانين يقول لمجلس الوزراء (الفيك اتعرفت)، الدور والباقي على البرلمان، على أمل أن يستشعر ألماً لم تحس به وزارة المالية، ويطبب وجعاً لم ينغص منام مجلس الوزراء السبعيني!