دعوني أبدأ من هناك، على حافة عام 2005م، وعلى سفح جسر الجريفات المنشية من جهة الشرق، كان ذلك الاحتفال الشاهق، كان الشرق والتاريخ والبشير والجماهير حضوراً، وكانت الحملة على الدكتور المتعافي يومئذ على أشدها، كنا في كل يوم تقريباً نحتفل بافتتاح منشأة من صنع الرجل المتعافي، وعلى الأقل أن الرجل الوالي هو من أتاح لنا في ذلك اليوم أن نحتفل بافتتاح هذا الجسر الهائل، وعلى بهو ذلك الميدان المهيب تحتشد الجماهير، ثم يصعد الرئيس البشير على قمة ذلك المشهد قائلاً: إذا تجاوزنا هذا الجسر الباهر، فهذا المستشفى (أنا أول مرة أشوفه) وكان يشير إلى مستشفى شرق النيل الذي شارف الافتتاح، ثم يختتم السيد الرئيس (أنا راضي عن السيد المتعافي)، وكان للأكمة ما وراءها، لكن الحملة على الرجل المتعافي كانت قد بلغت مداها، بلغت مرحلة اللا عودة.. وتلك قصة أخرى سنعرض لها في حينها. { مشهد ثانٍ لقد أبدع الأشقاء الصينيون في عمارة مستشفى شرق النيل، فغير المباني المتناسقة فقد طرزت بالأدهنة الآخاذة حتى أصبحت حديث المارة، وكانت الأسئلة كلها تتمحور حول (يوم عرس الافتتاح الأكبر)، فلقد رسمت جماهير هذا الشرق آمالاً عراضاً على هذا المشفى على أنه سيضع حداً لمعاناتهم في العبور إلى مستشفى الخرطوم سيما وأن الثقافة السائدة يومئذ هي أن الحكومة تسعى (لتوطين العلاج) في المحليات، كما أنها تترقب افتتاح هذه الخدمة الطبية التي يمكن الوصول إليها بسهولة من كل الجهات. { مشهد ثالث قبل أن نمضي بعيداً، كنت قد سألت السيد الوالي المتعافي يوماً عن سر تأجيل افتتاح هذا المستشفى لأكثر من مرة، خاصة وأن منشآته قد اكتملت، قال الرجل إنه ينوى تطبيق ثقافة طبية جديدة في هذا المستشفى يصطاد بها أكثر من عصفور ويحقق بها أكثر من هدف، قال إنه يود أن يجعله (مستشفًى عاماً بمواصفات خاصة) قلنا كيف، قال إنه سيستقدم له كوادرنا الطبية المميزة التي تعمل في بريطانيا وأوروبا بصفة خاصة، وإنه بالفعل قد بدأ الاتصال ببعضهم ووافقوا على العودة على أن توفر لهم الحكومة سكناً مريحاً وفرص تعليم لأولادهم ومرتبات معقولة، ثم ليكونوا في خدمة الجماهير، لكن الحملة على الرجل يومئذ كانت قد بلغت مداها، على أن الرجل الذي صنع كل تلك المنجزات الباهرة هو بالكاد فاشل سياسياً، وغير متوافر (بالمكتب) و....و... وذهب السيد المتعافي لوزارة الزراعة تاركاً وراءه المستشفى وغيره من المؤسسات. أذكر يومها أني قد رحبت بالدكتور عبد الرحمن الخضر وقلت له إنك ستحتاج لعامين حتى تخلص وتتخلص من افتتاح منشآت السيد المتعافي. { مخرج أول أخيراً افتتح المستشفى على يد الدكتور الخضر، ثم مضت شهور بأكملها دون أن نرى جلبة حول المستشفى، وحتى الذين حجزوا (البقالات والصيدليات) حول المستشفى قد فكوا ذلك الارتباط بعد أن تكبدوا خسائر فادحة، فهذا المستشفى ولكن أين الجماهير، وبصورة أخرى.. هذه المباني فأين المعاني؟! في بادئ الأمر لم يستوعب المستشفى (مرضى التأمين الصحي) لكنه أخيراً خضع لهذه الخدمة، وهو يعاني شحاً في الأطباء الاختصاصيين، على ما يذكر بعض المرضى، ربما كان ذلك لأنه يدار بشركة من (القطاع الخاص) وأن أمر تشغيله يخضع لمعادلات الربح والخسارة، وربما أن هنالك أموراً لا ندركها، لكن الذي ندركه ويدركه الكثيرون إنه لم يصبح (مستشفى جماهيري) وإنه لم يحد من الهجرة إلى مستشفيات وسط المدينة. { مخرج أخير.. لقد تضرر كثيراً حي القادسية الذي يسند المستشفى ظهره عليه بدلاً من أن يستفيد، فإن مرافقي المستشفى خاصة على أيام بعض عمليات الأطباء الزائرين، فإنهم يتخذون من ظهر المستشفى؛ جهة الحي (مسرحاً ومقيلاً) على العراء، يأكلون ويتبرزون وتحت هجير شمس أبريل ومايو يستظلون، فقط لو أقامت (الشركة المالكة) كافتيريا ظليلة كبيرة لتستوعب زائريها، فعلى الأقل إن لم يستفد الحي فلا يتضرر. { مخرج بعد الأخير.. أخي بروف حميدة يحتاج منك هذا المستشفى لوقفة شاهقة حتى يوظف طاقاته المعمارية والمكانية القصوى لراحة الجماهير. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل